٢/٠٤/٢٠٠٨

نظرة على أحداث غزة

نظرة على أحداث غزة


تابعنا جميعا ما كان في الأيام الماضية من أحداث على حدود قطاع غزة من جهة سيناء، سواء على معبر بوابة صلاح الدين، أو على الأسوار الفاصلة بين أرض سيناء وأرض القطاع. وكان ما كان من الأحداث التي تابعها الجميع، واهتم بها الجميع، ثم اختلفت القراءات في تحليل ما حدث.

وأحسب أن أهم ما يجب علينا التثبت منه لحسن قراءة الحدث، أن نتفق على مسلّمات ننطلق منها في تقويم الأحداث، ومرجعية نقيس عليها لتحليل النتائج، حتى نتمكن من تحديد ما يجب علينا فعله، لاستثمار المكاسب، أو تعويض الخسائر، أو استغلال الفرص. لأن اختلاط الحقائق الأساسية يجعلنا نتيه في التفاصيل، وتضيع منا السبل. فلا نعرف وجه الصواب من الخطأ، ونحسب كثيرا من الشر خيرا، ونظن كثيرا من الخير شرا.

بداية أحب أن أبين بوضوح كامل أن مرجعيتي دائما هي الإسلام. الإسلام عقيدة وشريعة وثقافة وتاريخا. فكل ما خالف ثوابت الإسلام المتفق عليها مرفوض عندي وليس له اعتبار.

وأول الحقائق: التي أراها غابت عن كثير من المتكلمين في هذا الأمر، هي أننا لسنا شعوبا صديقة ولا شعوبا شقيقة. ولكننا أمة واحدة وشعب واحد. يتفق على هذا الأمر الإسلاميون والقوميون جميعا. فليس الأمر مساعدة شعب مصر لشقيقه شعب فلسطين، بل هو شعب واحد جزء منه في فلسطين وجزء في سيناء وجزء في وادي النيل، وجزء في الخليج وجزء في المغرب العربي. يساعد بعضه بعضا، ويهتم بعضه ببعض، كما يهتم أهل القاهرة لأهل أسوان، وأهل الإسكندرية لأهل القناة.

والحقيقة الثانية: هي أن السور الذي بكاه البعض، وصوروا هدمه اعتداء على السيادة المصرية هو سور أقامه الاحتلال الإسرائيلي لحصار أهلنا في غزة.. كما أن خط الحدود المرسوم بين مصر وفلسطين، هو خط رسمه الاستعمار (الإنجليزي-الفرنسي) فمن عجب أن يبكي دعاة الحرية قيدا منحهم إياه العدو المستعمر.

الحقيقة الثالثة: أن الصراع حول فتح الحدود لم يكن صراعا بين حماس (ومن ورائها الإخوان) ضد الحكومة المصرية. بل كان صراعا بين إرادة الشعب العربي، (في غزة، وفي مصر، وفي سائر بلاد العرب والمسلمين) وبين إرادة التفريق بينهم.. وقد اختارت الحكومة المصرية أن تنحاز لإرادة شبعها وأهلها. وهو موقف يحمد لها، ونذكره للرئيس المصري مع الاعتراف له بحسن الاختيار.

الحقيقة الرابعة: أن هناك قوة احتلال إسرائيلية تحتل أرضنا في فلسطين. وهي أرضنا جميعا كعرب وكمسلمين. ومن واجبنا جميعا أن نعمل على تحريرها واستعادتها. إن لم يكن بالقتال، فبنصرة المقاتلين، وإلا فأضعف الإيمان أن نمتنع عن مساعدة المحتل.

الحقيقة الخامسة: أمريكا ليست هي الله.. قد تكون أمريكا أقوى الدول عسكريا واقتصاديا، لكنها ليست القوة الوحيدة، وليست قادرة على فعل كل شيء. فقدراتها محدودة، وهي تستمد كثيرا من قوتها من تخاذلنا وانهزمنا أمامها، وخوفنا منها.

في ضوء هذه الحقائق نستطيع أن نرى أن هدم السور كاملا (لو تم) هو انتصار للمقاومة في فلسطين، وانتصار لرغبة الحرية والتوحيد في بقية أراضي العرب. فليس بين هذه الشعوب حساب المنتصر والمهزوم. فانتصار أحد جهات الشعب، هو انتصار للمجموع. وهزيمة أحدها هزيمة للمجموع. والحديث الذي قيل عن السيادة وحرمة الحدود في هذا المجال مرفوض، فهي حدود لم نضعها نحن، بل فرضت علينا، فلا معنى للحرص عليها على حساب حياة إخواننا في غزة. كما أن المتباكين على السيادة المصرية (ممثلة في هذا السور) لم نسمع لهم صوتا يتحدث عن الحدود الواسعة المفتوحة دون سور أو جنود بيننا وبين قوات العدو الإسرائيلي على امتداد صحراء النقب. ولم نر منهم غضبا عندما قامت سيارات إسعاف العدو بإجلاء المصابين في تفجيرات طابا. لانعدام التواجد المصري في منطقة طابا. التابعة اسما لمصر، وحقيقة لغيرها.

من بديهيات العقل أن المحتاج يبدأ بسؤال الأقربين، قبل أن يذهب إلى عدوه يستجديه. ومن المعروف في تقاليدنا أنني إذا طلبت من ابن عمي عونا وكان أخي حاضرا، كانت هذه إساءة لأخي، يحق له أن يغضب لها. ولذا لم أفهم وجه اعتراض الناس على أن اتجهت مظاهرات الجياع في غزة إلى مصر، بدلا من أن تتجه إلى قوات العدو. فهم أتوا إلى إخوانهم يسألونهم النصر والمساعدة. فإذا ببعض أصوات تقول لهم "أطلبوها لدى عدونا وعدوكم!!"

لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وقد كان السهر والحمى في تلك الأيام، مظاهرات ونداءات ودعاء وهتافات، حتى انجلت الغمة، وانكسر الحصار. والتقى الإخوة على جانبي السور. وهذا بلا شك انتصار لإرادة الوحدة على إرادة التشرذم. وكان تكبير العابرين لحدود الفاصلة تعبيرا عن الفرحة بهذا النصر، وليس كما توهم من لا يعرف معنى التكبير، (انتصارا على العدو المصري) أو كما حاولوا أن يوهموا من لا يعرف معنى التكبير عند المسلمين. فالمسلم يكبر الله في كل حين، وعند كل فرحة، وليس فقط في الحرب والقتال. فنحن نكبر في الصلاة والحج، ونكبر في الأفراح والأعراس. كما نكبر عند الانتصار والظفر.

صحيح أنه قد حدثت أخطاء وتجاوزات من أفراد من شعبنا، من أهل مصر ومن أهل غزة.. وفي هذه الأحوال يحدث احتكاكات وتحرشات مقصودة من البعض وغير مقصودة، ويكون هناك سيء الخلق ورديء الطبع والمندس والعميل. فليس كل إساءة من مصري مقصودة ومخططة من القيادة المصرية، وكذلك ليس كل فلسطيني تجاوز يمثل كل أهل فلسطين ولا حكومتها ولا تنظيمات المقاومة بها. ونحن نعلم أن من أساليب اليهود من قديم الزمن اختلاق مثل هذه المواقف وتضخيمها سعيا للفرقة بين المسلمين. نعلم أن هذا دأبهم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما سعوا إلى إشعال الحرب بين الأوس والخزرج، ولولا رحمة الله وتدارك رسوله للأمر، لكانت حرب بينهم في حياة الرسول. ومثل ذلك كلنا يعرف فضيحة لافون، للوقيعة بين مصر والولايات المتحدة، وكثير من الناس يعتقد (وأنا منهم) أن الموساد هي المسؤول الأول عن تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء. فليس من المستبعد أن يكون لهم يد في ما حدث.

وكل المتابعين للشأن الفلسطيني يعرفون أن هناك فئة تحمل السلاح في غزة، وتأتمر بأمر جليس رام الله، وآخرين يأتمرون بأمر دحلان، وما أدراك ما دحلان! وبأمر من يتحرك دحلان. فدحلان (وكل دحلان) في بلادنا لا يهمه من يموت ما دام يستفيد مالا. فهو يريد المعابر مفتوحة مادام ريعها يصب في حسابه الخاص. أما إذا كانت لإنقاذ حياة المصابين، أو خروج وعودة الحجاج، أو لإدخال الوقود، والدواء فهي تهديد للأمن القومي، وتضييع للقضية الفلسطينية. فلا يبعد أن يكون من رجال جليس رام الله، أو رجال دحلان (أيّ دحلان) أو من رجال الموساد، من سعى في ذلك، إيغارا لصدور المصريين، وأهل غزة معا، فلا يعودوا يشعرون بحقيقة وحدتهم، ولا أهمية تضامنهم. وقد رأينا من قبل إطلاق النار على أبو العبد (إسماعيل هنية) عند عبوره المعبر بعد انتظار طويل، ورأينا محاولة اغتيال الزهار، وسمعنا عن محاولة تفجير احتفال الترحيب بالحجاج العائدين، ولا أظن عاقلا يقول أن هذه كانت أعمال من حماس أو كتائب القسام. ولا أبرئ هنا جميع رجال من النظامين، في مصر وغزة، فهم بشر معرض للزلل والخطأ. ولكن المهم هو احتواء هذه التجاوزات على أساس وحدة الشعب الواحد. بمثل ما قامت به حكومة حماس (المتهمة بالإرهاب والتطرف والتكفير) فقد قدمت اعتذارا، وأرسلت وفدا لزيارة المصابين، ومواساتهم، ووعدت بحساب رجالها عن كل رصاصة مفقودة، أي أنهم سيحاسبون رجالهم على الرصاصات المطلقة في الهواء.

فلماذا لم نسمع نصف هذه الصيحات، عندما قتل الجيش الإسرائيلي رجالا من شعبنا داخل رفح المصرية، وجنودا من قواتنا المسلحة داخل أراضينا، وخطف طلابا من أبنائنا من داخل أرضهم، من أجل مبادلتهم بجاسوس قبض عليه؟ ولم يحدث تحقيق، ولم يقدم اعتذار ولا عزاء، و مع ذلك لم نسمع للنائحين اليوم، حينها صوتا يسأل عن سيادة وكرامة وحرمة حدود..

أخيرا إن الصراع بين حماس ومحمود عباس (جليس رام الله) ليس صراع سلطة، كما يحاول البعض تصوير الأمر، وإنما صراع بين إرادة الكرامة والمقاومة، وإرادة الاستجداء والتسليم. إن حماس لم ترفض السلام جملة، وإنما رفضت الاستسلام. رفضت التفريط في حقي وحق كل مسلم في أرض فلسطين. وهي تدفع اليوم (مع أهل غزة) ثمن صمودها وحفاظها على حقنا. فليس من الحق ولا العدل ولا الكرامة أن نساعد على حصارهم، والتضييق عليهم. لقد استحى المشركون في مكة من حصار بني هاشم. فهل نكون أقل من مشركي مكة؟

إن حصار غزة لم ينته، والمعركة بين إرادة الوحدة وإرادة التفرق مستمرة، والحرب بيننا وبين الاحتلال قائمة. حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا..

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

هناك ٥ تعليقات:

ابن رشد يقول...

رائع جدا كلامك يا استاذنا
بس المشكلة ان كلام حضرتك موجة للشعوب مش للحكومات
كل اللي انت قلته من الوحدة و التئالف دة بين الشعوب و بعضها
اما الحكومات فلا كلام عليها الا
"حسبي الله و نعم الوكيل"

حسن مدني يقول...

عزيزي شمس
رهاني دائما على الشعوب، فهي التي تبقى اما الحكومات، فهو زائلة بالتأكيد، فإذا حافظ الشعب على وحدته، انصلح الأمور بسهولة.
تحياتي

محمد مارو يقول...

مجموعه الحقائق دى جميله و رهيبه جدا

و اتفق معك فيها خاصه اول حقيقه

دى انا بايدها اووووووووووووووووووووى
و عجبنى ان حد اتكلم فيها

أفندينا يقول...

أخي الحبيب حسن مدني
ما ذكرت هو ما يريد منا الخونة والمطبعين من حكامنا العرب أن ننساه ويستخدمون في ذلك كل الوسائل المتاحة لهم من إعتقال وإعلام موجه وغيره ... وخير مثال على ذلك الحملة المنظمة بوسائل الإعلام للهجوم على أهل غزة
حسبنا الله ونعم الوكيل
خالص الود

غير معرف يقول...

الفرق بيتن الحقيقة والخيال ان الحقيقة تتحرك فتتحول الي شي ملموس اما نجاح اوفشل ولكن الخيال فهو ميت نتذكرة حتي نعطي لانفسنا الصابرة بعضا من الامل لكنة ليس حقيقة الذين يظنون ان الحكام العرب القائمون علي الحكم يفكرون بواقع ان العرب امة واحدة وان تعددت مشاربها والوانها واطيافها فهواذن من الحالمين الكبار لان الحقيقة تقول ان العرب مستعمرين في بلادهم وطعامهم وشرابهم وعروبتهم وافكارهم فاذن من البديهي ان يكونو قد فقدو هويتهم ولا عزاء في عروبتهم
ادعوك لزيارة مدونتي http://anaabnalikwan.blogspot.com