١٠/٢٣/٢٠٠٧

فتوى حرية الصحافة

فتوى حرية الصحافة


أثارت تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة، بشأن إقامة حد القذف على الصحفيين، الكثير من الاعتراض والضيق والرفض، إن لم يكن إجماع عليها، وردود الأفعال الغاضبة. منها من أعلن غضبه على الشيخ سيد طنطاوي، ومن شمل معه الأزهر، وعلماءه وشيوخه، وتاريخه. ومن عمّ باعتراضه علماء المسلمين، وتاريخ الفقه الإسلامي منذ عهد الصحابة إلى يوم القيامة.

والحقيقة أن أقوال الشيخ طنطاوي هذه المرة، كالعادة، قد جانبت الصواب. والغريب أن كثيرا من معارضيه كذلك قد أخطأ السبيل في جوابه والرد عليه. وإذا كان الشيخ قد أخطأ قراءة واقعه، فكثير من مخالفيه أساؤوا قراءة الواقع والتاريخ والنص معا.

وأحب بداية أن أؤكد على أمرين، لا أحب أن يخطأ فيهما أحد.

الأول:

أنني لا أجادل في وجوب إقامة حدود الله، ولا أرى لأحد الحق في مناقشة وجوب إتباع أوامر الله، والتوقف عن نواهيه، والالتزام بحدوده. فليس لمسلم إذا أتاه حكم الله إلا أن يسمع ويطيع. ولا إذا جاءه أمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتبعه. فهذا أمر لا جدال فيه ومراء.

الآخر:

أنني لست بمعرض الدفاع عن الشيخ سيد طنطاوي في أي جزء من كلامي هذا، ولا عن مواقفه وتصريحاته. فلا أحب أن يفهم أحد من كلامي أي نوع من المساندة للرجل، أو الدفاع عنه أو مناصرته.

والشيخ، هدانا الله وإياه، قد أخطأ في هذا التصريح مرتين. مرة قراءة الواقع، ومرة في تنزيل الحكم. فحد القذف ثابت لا جدال فيه. أن من اتهم مسلما بالزنا ثم لم يأت بأربعة شهداء، جلد ثمانين جلدة، وسقطت شهادته. هذا حكم الله عز وجل. وتلك حدود الله التي أمر ألا نتعداها. فلا يجوز الجدل حولها، ولا المناقشة في أمرها.

ولكن، هل القضية المطروحة هنا، على هذا الوجه، هل قام أحد من الصحفيين المثار حولهم الجدل بقذف الرئيس أو زوجه أو ابنه، أو أحد من الخاصة الحاكمة أو من العامة المسحوقة بالزنا أو الدعارة. لم نسمع بذلك. فإذا قال أحد أن أي تهمة بالباطل، تعادل القذف كان هذا قياسا فاسدا. لأن كل الأمور تثبت بشاهدين، إلا الزنا لا بد من أربعة شهود. فإذا كان الله عز وجل قد ميز هذه التهمة بطلب برهان أكبر من سواها، دل ذلك على أنها تختلف عن تهمة السرقة أو الاختلاس، أو حتى الخيانة العظمى.

ولكن من جهة أخرى لا يعقل أن نقول أن كل من أراد أن يقول قال، بلا مسؤولية أو حساب. فلا يصح أن أسمح لرجال الإعلام أن يخوضوا في أعراض الناس وسمعتهم، تحت دعوى الحرية، دون ضابط ولا قيود. فإذا كنا نطالب للصحافة بالحرية في التعبير عن الرأي، وممارسة دورها في الرقابة علي السلطة التنفيذية والتشريعية، ونحرص على توفير الضمانات الكافية للصحفي، لكي يقوم بدوره هذا وهو آمن، فلا بد أن يكون هناك تشريع يحفظ للصحفي وغيره كرامته وسمعته وعرضه وخصوصيته من الانتهاك، أو التعدي تحت دعوى الحرية.

وهذا الخيط الدقيق الذي يضع الحد بين حرية الصحافة في الرقابة والمحاسبة، وبين حق الأفراد في حفظ كرامتهم وسمعتهم وخصوصيتهم هو الذي يجب أن يكون مجال الجدال. وهو يحتاج إلى ما يزيد على التشريع القانوني. فهو يحتاج إلى التربية والتدريب والممارسة. وإلى قضاء مستقل واع، يستطيع أن يحكم بين الناس بالحق، وأن يمد هذا الخيط الدقيق بما ينشر الأمن للصحافة النشر، والأفراد العاديين. فلا يتعدى صحافي على بريء، ولا يخشى فضح مذنب.

فهذا الخطأ في تنزيل النص. أما الخطأ في قراءة الواقع، فهو أن الصحافة تعاني من القمع أكثر مما تمارس الفوضى، والتجاوز الذي يبدر من حين لآخر إنما مردّه إلى القمع في المقام الأول. فكيف للصحافة أن تؤدي دورها في الرقابة، وهي مغلولة اليدين عن الوصول إلى المعلومات، وممنوعة من نشر الحقائق. وإذا اختفت الحقائق أو أخفيت، اتجه الناس إلى الظن. فإذا ساءت النتائج التي يرونها ساء ظنهم بالتبعية. والسبيل الوحيد لإسكات الشائعات المغرضة هو نشر الحقائق، بوضوح وصراحة أمام الناس. وإن كان هذا يؤدي إلى ضرر كبير لأصحاب مصالح ونفوذ، فإن إخفاء الحقائق يؤدي إلى أضرار كبيرة لهم وللمجتمع ككل.


فكان الأولى بالشيخ أن يتبصر في حال مجتمعه ليرى من الأولى بالعقاب، ومن الأحق بالتنديد والوعيد.

هل هم أهل الصحافة وإن تجاز بعض منهم القصد، وأخطأ السبيل؟

أم من يحبس الناس بدون وجه حق؟

أم من يمارس تعذيب الشعب كل يوم لسبب أو بدون سبب؟

أم من يزوّر الانتخابات، ويضرب القضاة؟

أم من يسرق أقوات الناس وأموالهم؟

أم من ينشر فيهم مبيدات مسرطنة، وأغذية سامة، وحليب أطفال مغشوش؟

أم الجامعات التي تبيع شهادات الدكتوراة لمن يدفع ثمنها، أو تهديها لمن كان له نفوذ أو دلال؟

أم يسعى إلى إفساد الأزهر، وتقويض مكانته العلمية العريقة؟

أم من يوزع آثار البلد، وثرواتها من أجل مجد شخصي زائف أو مدح زيف يتلقاه؟

أم.. أم ... ولو أخذت أعد قد لا أنتهي..



ألم يكن من الأجدر به أن يحسن النصح لأمته ولأولي الأمر فيها؟ بدلا من قوله الذي قال، ورده عليه الجميع. حكومة وشعبا، إسلاميين وعلمانيين، حزب وطني وإخوان وتجمع. بل وعلماء الإسلام أنفسهم ردوا قوله، وخطأوا فتواه.

فهذا عن التصريح الأخير وحده، أما الحديث عن الشيخ طنطاوي نفسه فله مجال آخر.


وللحديث تتمة بإذن الله تعالى..



١٠/٠١/٢٠٠٧

دعوة للذنوب .... ولكن

أين نحن من ذلك؟


قال الشاعر:

كن كيف شئت فإن الله ذو كرم وما عليـك إذا أذنبـت من بـاس

إلا اثنتيـن، فلا تقربهـما أبـدا الشرك بالله ، والإضـرار بالنـاس


وهو قول فيه الكثير من الصواب، فالشرك هو أعظم الذنوب وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى، وهو يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، إلا حقوق الناس، فإنهم يقتضونها منك يوم القيمة حتى يأخذ كل واحد منهم حقه.

فهذان الأمران (الشرك الله، والإضرار بالناس) هما الخطر كل الخطر، وما عداهما هين بسيط يغفره الله.

ولكن..

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن تطيع هواك في أمر الله، فتقول أحب في ما نهى الله عنه ولا أحب في ما أمر به؟

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن تلبي دعوة الشيطان إلى النار بدلا من دعوة الله إلى الجنة؟

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن يكون خوفك من رئيس أو مدير، أكبر من خوفك من الله عز وجل؟

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن يكون حبك لرضا امرأة أو سعادة أبناء أكبر من حبك لرضا الله؟

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن يكون حرصك على الدنيا أكبر حرصك على الآخرة؟



ثم الإضرار بالناس:

أليس إلقاء القمامة في الطريق إضرار بالناس؟

أليس النظر إلى عورات الناس إضرار بالناس؟

أليست إصدار الضوضاء ولو للوعظ والإرشاد إضرار بالناس؟

أليس الكلام البذيء الخارج إضرار بالناس؟

أليس ما تقدمه الفضائيات من (فنون) إضرار بالناس؟


قال أحد الواعظين

إذا أردت أن تعصى الله فلا بأس بذلك، بشرط

أن تعصاه في مكان لا يقع في

وأن تكون معصيتك حيث لا يراك

وأن لا تستخدم نعمته التي أنعم بها عليك في معصيته

فإن استطعت ذلك، فافعل ما تشاء