١١/٣٠/٢٠٠٧

أسباب مغيبة لانتصار المسلمين

أسباب مغيبة لانتصار المسلمين

من المشاكل التي تعاني منها أجيالنا الحديثة سوء تعليم التاريخ. فنحن ندرس التاريخ في مدارسنا بشكل إما يسيء عرض الأحداث أو يسيء قراءتها. وسوء السرد يوهم الطلاب بتاريخ مخالف للحقائق، وسوء القراءة يجمع بين سوء تصور التاريخ، وتحريف الوعي.

ومن أمثلة ذلك ما درسناه في المدارس عن الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام. فقد درسنا في دروس التاريخ، أن الدولة الإسلامية حققت أحد أسرع نماذج اتساع الدول على مر التاريخ، وأن هذا التوسع كان الأثبت تاريخيا... وهذا صحيح وصادق، ولكن ما خدعونا به في تلك الدروس، هو عوامل انتصار المسلمين السريع على الدولتين الأعظم في ذلك الزمن، الفرس والروم..

وكان السبب الذي يذكرونه هو إيمان المسلمين،، وأحيانا يضيفون ضعف الفرس والروم نتيجة الحروب بينهما.. وأنا أرى أن السبب الأول غير كاف، والسبب الثاني غير صحيح..

أما الإيمان، فهو لا يكفي وحده للانتصار في معركة، وليس الانتصار في حرب بهذا الحجم. ولا أظن أن جيوش الفاتحين كانت أكثر إيمانا من جيش الصحابة الذي هزم في أحد، وكان قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لا يستطيع أحد أن ينكر وجود إيمان متميز لدى تلك الجيوش، ولا يستطيع أحد أن ينفي دور هذا الإيمان في النصر، ولكن الإيمان وحده لا يكفي.. لا بد أن يصاحبه العمل، العمل الصالح.. أو ما يسمى الأخذ بالأسباب..

والسبب الثاني الذي ذكروه هو ضعف الدولتين الفرس والروم بفعل الحرب التي دارت بينهم في صدر الإسلام، وقد توقفت هذه الحرب قبل بداية الفتوح بوقت كاف لاستعادة أي دولة منها لقوتها العسكرية، وعافيتها الاقتصادية مرة أخرى.. والدليل على ذلك أعداد الجيوش التي واجهت المسلمين في الجبهتين، ففي القادسية حشد الفرس 120 ألف مقاتل، ثم عادوا في نهاوند وحشدوا 150 ألف مقاتل،، عدا عن الجيوش الصغيرة التي واجهت المسلمين في المعارك المتفرقة قبل القادسية وبعدها.. وقد غنم المسلمون ملايين الدراهم في فتح المدائن، وفي عدة مواقع أخرى، كان كسرى يخفي بها كنوزه. في صورة أموال وحلي وجواهر،، عدا التحف الفنية التي لا تقدر،، فهذه دولة ليست بالفقيرة ولا الضعيفة،، وكان لدى الروم قوات قريبة للفرس في العدد والعدة.

ثم إن ضعف الدولتين (المزعوم) لا يفسر كيف انتصر 34 ألف على 120 ألف في القادسية،، والأرقام قريبة من ذلك في اليرموك..

وإذا كانت الحروب التي انتهت منذ سنوات ما زالت تؤثر في قوة الدولتين، فما بال حروب الردة التي لم تنته إلا قبل بداية فتح العراق والشام بأشهر معدودة. ألم تؤد هذه الحروب التي شملت الجزيرة كلها إلى ضعف العرب، وخاصة أن المرتدين لم يسمح لهم أبو بكر بحمل السلاح. والمشاركة في الفتوح.

إذا هذا التفسير لا يكفي ولا يصح..

والسبب الحقيقي لانتصار المسلمين في هذه الحروب هو الإيمان والعمل.. معا..

العمل الصادق، أو العمل الصالح..

الإعداد الجيد للمقاتل، أثبت المقاتل العربي المسلم في هذه الحروب تفوقه الفردي على المقاتل الفارسي أو الرومي، فكل المبارزات الفردية انتهت لصالح المسلمين، حتى أن رستم قائد الفرس في القادسية منع الفرس من المبارزة في اليوم الثالث، لأنه رأى رجاله يخسرون جميع المبارزات. وكان العربي يجيد استخدام كافة أنواع السلاح، السيف والرمح والقوس، ويجيد القتال راكبا أو راجلا أو جاثيا على ركبته. ويجيد القتال في تشكيلات صغيرة تصل إلى أفراد دون العشرة أو في تشكيلات تصل إلى آلاف. إذن كان المقاتل أحسن إعداداً، مما مكنه من تجاوز الفارق في المعدات.

الالتزام والانضباط على مستوى الأفراد، فكان كل فرد من القائد إلى الجندي يلتزم بدوره المحدد، وبالتعليمات الصادرة إليه. مع وجود روح المبادرة لدى كل فرد في الجيش، فيستطيع أن يتخذ قرارا وفق صلاحياته، إذا تطلب الأمر ذلك. وهذا ما لم يكن موجودا لدى جيوش الفرس والروم.

التخطيط الجيد، والتخطيط الجيد على عدة مستويات، فقد أحسن المسلمون استغلال نقاط تفوقهم، في السرعة وخفة الحركة، مما جعل الدروع والمعدات التي يحملها الفرس أو الروم تتحول من عنصر تفوق إلى عنصر ضعف. والتخطيط الجيد في اختيار مواقع القتال، وحصار الأعداء في مناطق ضيقة تفقدهم إمكانية استغلال ميزة التفوق العددي، كما في القادسية واليرموك، وغيرها.

العدل والأمانة، لقد كسب المسلمون ثقة أهل البلاد التي فتحوها، كما كسبوا احترام أعدائهم أنفسهم، بحسن المعاملة والعدل والصدق والوفاء. فلم يتوقع أهل دمشق الذي اعتادوا على ظلم الروم، أن يعيد إليهم أبوعبيدة بن الجراح الجزية عن العام الذي انسحب فيه من دمشق، وقال لا نأخذ منكم الجزية إن لم نمنعكم (أي نحميكم). وقد كان أمر عمر بن الخطاب إلى جيش سعد بن أبي وقاص، "إن قال أحد من المسلمين كلمة أو أشار إشارة لأحد رجال الفرس هي عندهم أمان، فأجروا له ذلك مجرى الأمان". فلم يفقد العدو ثقته في المسلمين. وكان من يدخل الإسلام يصبح واحدا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، ويقبلونه واحدا منهم.

هذه العناصر من العمل هي ما يغفل عنه المعلمون في أيامنا هذه.. فيخرج جيل إما يحسب أن الإيمان والصلاة وحدها كافية للنجاح وتحقيق الآمال، فإذا لم تتحقق آماله بالصلاة والصيام، كفر بكل القيم والعقائد.. أو منتظرا للظروف المواتية، (ضعف الدولتين) لكي يبدأ السعي، فقد تعلم هذا الجيل أن المسلمين لم يحققوا ما حققوا إلا بضعف الدولتين (الظروف المواتية)، ولم يعلم أنهم لم ينتصروا إلا لأنهم أحسنوا صنع الظروف أو استغلال ما يجدّ منها.. ولم ينتظروا أن يقاتل الله عنهم، بل فعلوا ما في وسعهم، قاموا بكل ما يمكنهم القيام به. ثم استعانوا بعد ذلك بالله، وطلبوا منه النصر والتأييد، فاستحقوا النصر على عدوهم..

إن الإيمان ضروري بلا شك،، والاستعانة بالله واجبة بلا جدال. ولكن الله لم يذكر الإيمان في القرآن إلا وذكر معه العمل، العمل الصالح..

ولم أر في التاريخ الإسلامي نصرا جاء، ولا انجازا تحقق، إلا بالعمل الصادق، والإعداد الجيد، والتخطيط السليم، بدءاً من غزوة بدر مرورا بالقادسية واليرموك ونهاوند والزلاقة وحطين وعين جالوت، وفتح القسطنطينية، إلى تصدي قوات المقاومة اللبنانية لمحاولات التوغل الإسرائيلي في عام 2006.

لم ينتصر المسلمون بالإيمان والدعاء فقط، وإنما بالإيمان والعمل الصالح. وهذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أوّلها..

الإيمان والعمل الصالح.