١٢/٢٧/٢٠٠٧

حول الإعجاز العلمي في القرآن2

حول الإعجاز العلمي في القرآن2


ثم جاء بعد ذلك دعاة تخصصوا في هذا المجال. ولكنهم ربما لشدة حرصهم على إثبات دعواهم، أو تحت تأثير الجذب الإعلامي، تحول بعضهم إلى ما يشبه الساحر في السيرك، حريص على أن يقدم فقرة جديدة كل موسم. فلا بد له في كل موسم من اكتشاف جديد. ليكسب إعجاب الناس، به أو بالإسلام، أو ليقول للناس إن أدلة إعجاز القرآن لا تنفد ولا تنقضي. ونحن نؤمن أنها كذلك، ولكننا نقول إن في كل عصر سيكتشف أهله ما يكفيهم، بلا حاجة للتنطع أو ليّ أعناق النص، أو افتعال دليل. فالذي يحاول افتعال دليل، يتصرف وكأن ما في يده من الأدلة لا يكفي. والعاقل الذي يبحث عن الحق يكفيه دليل واحد. فمن لم يقبل الدليل كبرا أو عنادا أو اتباعاً لهواه فلن يكفيه شيء.

ولحرص هؤلاء على البحث عن دليل جديد كل يوم، بدؤوا ينقبون عن أي شيء يصلح للإبهار، وانتزاع إعجاب الناس، ولو كان بتأويل بعيد أو بحجة ضعيفة. فأساء من حيث أراد الإحسان، فإن سكوت مثل هؤلاء أنفع للإسلام من ادعائهم بحجة ضعيفة. فالادعاء بحجة ضعيفة هو أكبر خدمة لمن أراد مهاجمة الإسلام، والتفسير الخاطئ أكبر سند لمن أراد تشويه الإسلام. وسيظل القرآن خاليا من شبهة الخطأ العلمي، ولا يعيبه خطأ المفسرين، فالتفسير عمل بشري. ولكن هذا الخطأ البشري يقود كثيرا إلى بلبلة الناس، وتشكيك قليلي العلم، والذين في قلوبهم مرض.

والأمر في الأصل لا يحتاج إلى كل هذا الدفاع. فمن أراد الادعاء بخطأ في القرآن، فليأت بحجته، وليقدم برهانه. أليس هكذا علّمنا القرآن؟ قل هاتوا برهانكم. وكثير مما ثبت من إعجاز القرآن كان محاولات من الكافرين لإثبات خطأ في القرآن.

أما مسألة الإعجاز العلمي في السنة النبوية، فأنا أجد صعوبة كبيرة في تقبله. خاصة مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بشؤون دنياكم". فقد ترك شؤون الدنيا للناس يتعلمون منها ويتقدمون بها. أما أمر الله للناس بالنظر في خلق السموات والأرض، والنظر إلى كيف بدأ الخلق، هو أمر للناس بالبحث للتعلم والتفكر معا. من أجل عمارة الدنيا وإصلاحها بالعلم، والوصول إلى الإيمان بالله ومعرفته. فمن لم يصل إلى الله بالفكر وصل إليه بالعلم.

يبقى أمر في شأن الإعجاز العلمي، وهو ما أثبته القرآن ولم يعرفه العلم. مثل الحسد والسحر. ويدعي البعض أن هذه بقايا معتقدات الأمم القديمة، وأنها خرافات لا يقبلها العلم. ونحن نقول لا يعرفها العلم حتى الآن. فالعلم البشري لا يزال يحبو، لم يدرك من حقائق الكون إلا قليلا. وعلم الله واسع لا يحدُّه شيء. فجهل الإنسان بأمر لا يفيد نفيه. وإنما عليكم إثبات عدم وجود ما تنكرون. وكم أنكر العلم من أمور ثم عاد ليثبتها.

فلا يجب أن نجعل علوم القرآن وتفسيره تبعا لعلوم قاصرة، أو أهواء عابرة. ولا أن يكون عرض الإسلام تبعا لاحتياجات سوق الإعلام. فكلما كنا بحاجة لتقديم شيء جديد خرجنا بفكرة جديدة. فالإسلام مبني على العقل والإيمان الراسخ، وليس الإبهار. الهدف هو إقناع الناس وليس إبهارهم.

وهناك أمثلة لما تم عرضه كإعجاز علمي، وأحسب أنه تعسف في تفسير النص وتوظيفه في غير ما يشير إليه. ومن ذلك قولهم في تفسير قول الله تعالى على لسان يوسف بن يعقوب (عليهما السلام) "يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين". فخرج علينا من يقول إنه لا بد أن يكون هناك أحد عشر كوكبا تدور حول الشمس. ليطابق ذلك الرقم المذكور في الآية. مع أن هذا الرقم لا يفيد إلا عدد إخوة يوسف الذي سجدوا له بعد ذلك. ولو كان عدد الإخوة عشرين لرأى عليه السلام عشرين كوكبا. فليس من إعجاز في مطابقة عدد إخوة يوسف لعدد أجرام السماء. فهذا هو الخطأ في توظيف الآية.

أما الخطأ في تفسيرها، فقد كانت العرب تسمي كل لامع في السماء كوكبا أو نجما. فاللفظان عند العرب يحملان نفس المعنى. وإنما جاء التفريق بينهم حديثا، عندما خص علماء الفلك الأجسام المضيئة الحارة باسم النجم، والأجسام المعتمة التي تدور حول النجوم باسم الكوكب، ثم الأقمار والمذنبات وغير ذلك من أجرام السماء. فخصوا كلا منها باسم لا يتعداه إلى آخر. أما مارآه سيدنا يوسف في رؤياه، فهو أحد عشر جرما سماويا مما يبدو صغيرا في السماء. ليكون من جنس الشمس والقمر اللذان يبدوان كبيرين في السماء. والأجرام الصغيرة من صغار جنسها. ليكون تأويل ذلك أن الشمس والقمر هما أبواه، والكواكب إخوته.

وقد رد على هذا التفسير بعضهم، شامتا بإسقاط عضوية بولتو في مجموعة الكواكب بواسطة مجمع للعلماء، وهذا أيضا لا حجة فيه ولا دليل. فماذا لو قرر هذا المجمع غدا قبول عضوية عدد آخر من الأجرام. أو إعادة الاعتراف ببلوتو ككوكب مع إضافة غيره، ليصل الرقم إلى أحد عشر كوكبا تدور حول الشمس. فهل يؤمن هؤلاء الشامتين؟

لا أظن ذلك!!

وهذه التفسيرات القائمة على البحث عن المبهر واللافت ليست أمرا جديدا، وليست حكرا على المسلمين دون غيرهم. فهي أمر قديم موجود في كل دين وفي كل دعوة. ولعل أكثر ما وقع في كتب السابقين من التحريف جاء من هذا الباب، باب الإبهار والتعالم. بإظهار الكتاب يحتوي على أكثر مما فيه. فدخلت إليه الإضافات والزيادات، ووقع الحذف فيما ظنوه شبهة أو ضعفا.

أما القرآن الكريم فقد تكفل الله تعالى بحفظه من التحريف والتبديل، والإضافة والحذف. فلم يظهر هذا السعي للإبهار والتعالم إلا في بعض كتب التراث، والتي تزخر بأقوال القصاصين. حتى ذكر بعضهم اسم كلب أصحاب الكهف الذي لا نعلم عددهم أصلا حتى نعرف أسماءهم، فكيف باسم كلبهم؟ ومن المشهور قصة ذلك القصاص الذي ذكر اسم الذئب الذي أكل يوسف. فلما قيل له إن الذئب لم يأكل يوسف. قال:"نعم، هذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف".

وهؤلاء كان يعرفهم الناس قديما باسم القصاصين، أما اليوم فيحسبهم البعض علماء.

فإذا كانا ندعو الناس للإيمان بالله بعقولهم، ونطالبهم بالتفكير الصحيح في الحجج والدعاوى التي تلقى إليهم. فأحرى بنا أن نبدأ بأنفسنا، وأن ندرس الحجة قبل أن نقدمها للناس، ندرس ما ينقضها وما يردها. ونبحث في ما يمكن أن يهدمها. فإن انتقضت فما هي بحجة تقبل. وإن استقامت فوق محاولات الهدم، واستعلت على النقض والرد. فتلك هي الحجة البالغة والبينة الراسخة.

والله أعلم.

١٢/٢٥/٢٠٠٧

حول الإعجاز العلمي في القرآن1

حول الإعجاز العلمي في القرآن1


نؤمن نحن المسلمين أن القرآن هو كتاب الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ونؤمن أنه معجزة خالدة. لا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بشيء من مثله، مهما فعلوا. وإعجاز القرآن من جهة البلاغة والفصاحة أمر متفق عليه، بل قد أقر به المشركون من قريش وهم مقياس الفصاحة عند العرب. واتفق عليه كل من كان له علم باللغة العربية وأصولها وآدابها. ولم يمار في هذا الإعجاز اللغوي إلا جاهل بالعربية أو أحمق.

أما عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. وهو أمر طال فيه الجدل وكثر في الحديث. فأنا أؤمن أنه إذا كان القرآن الكريم كتاب الله، فلا يجوز أن يحتوي على خطأ علمي. لأن الله تعالى عالم الغيب والشهادة لا يجوز عليه الخطأ ولا السهو ولا الكذب. ونحن نؤمن أن القرآن قد بلغنا كما هو دون تحريف أو تبديل. ولكن علينا كذلك أن نتذكر دائما أن القرآن الكريم هو كتاب دين وعقيدة، وحكمة وتشريع. وليس كتاب في علم الطبيعة أو علم الفلك أو حتى علم التاريخ. وأنه وإن كان يحتوي على إشارات لهذه العلوم جميعا، فإنها إشارات إما لحث الناس على تأمل خلق الله والاستدلال بهذا الخلق على الخالق المبدع. أو لإثبات أن الله تعالى هو منزل هذا القرآن وليس بإمكان إنسان أن يضع مثل هذا الكتاب. وهو ما يقصده العلماء بالإعجاز العلمي للقرآن. فلا ينبغي النظر إلى القرآن ككتاب في علم الطبيعة فليس هذا شأنه ولا الغرض منه.

وأصل ذلك المبحث على حد علمي، أن أعداء الإسلام، من الفلاسفة قديما والمبشرين والمستشرقين حديثا، كانوا يحاولون البحث عن خطأ في القرآن الكريم في إطار سعيهم لمحاربة الإسلام والرد عليه. كما قال تعالى "يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم". فكان لعلماء المسلمين جهود طيبة في الرد عليهم، وفي إظهار هذا الوجه من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، مثل الدكتور مصطفى محمود والشيخ عبد المجيد الزنداني.

والدكتور مصطفى محمود كان ملحدا في أول أمره، منكرا لله مؤمنا بالعلم وحده. ولكنه كان منصفا طالب علم وحق، فهداه الله بالعلم إلى الإيمان. فعمل على عرض ما وجده على الناس، وأراد أن يبين لهم الطريق الذي استبان له. وكان أكبر عمله أنه سعى لبيان بديع صنع الخالق، وإحكام صنعته في الخلق، وبالغ حكمته في تصريف السماوات والأرض. مع الإشارة إلى نصوص القرآن إن بدت له مطابقة لما رآه بالعلم. ولم يكن مفسرا ولا ادعى أنه عالم في شؤون الدين. وإنما هو عالم في علوم الدنيا هداه الله إلى الإيمان عن طريق العلم.

والشيخ عبد المجيد الزنداني رجل عالم داعية، قام بجمع ما وصل إليه عدد من العلماء من اكتشافات حديثة نسبيا، مما يطابق قول الله تعالى في كتابه العزيز، وعرض ذلك على الناس وبينه لهم. وقد حضرت بعض هذه المحاضرات في البحرين. فكان أجمل ما فيها البعد عن الافتعال، وليّ عنق النص ليطابق ما يظنه العلماء، أو يوافق نظرية علمية معينة. بل اعتمد على حقائق علمية ثابتة، عرفها العلماء بيقين، ووجد أنها تطابق وصف القرآن. قائلاً إن هذه النصوص التي لم يعرف السابقون تفسيرها، يمكن أن نفسرها بهذا العلم الذي عرفناه.

مثل قوله تعالى "مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان" فقال إن العلماء قد وجدوا فاصلا (برزخا) يحجز بين البحار المختلفة، فتختلف مكونات الماء في البحرين المتجاورين، برغم أن العلماء كانوا يظنون سابقا أن نسبة الأملاح لا بد أن تتساوى في البحار ما دامت متصلة، فإذا بالحقيقة غير ذلك.

فهذا مثال لكشف علمي وافق صريح نص القرآن. دون حاجة ليّ عنق النص، أو تأويله تأويلا بعيدا عن طبيعة اللغة. أو تعسف في استخدام المصطلح اللغوي أو العلمي في غير موضعه.

ثم جاء بعد ذلك دعاة تخصصوا في هذا المجال. ولكنهم ربما لشدة حرصهم على إثبات دعواهم، أو تحت تأثير الجذب الإعلامي، تحول بعضهم إلى ما يشبه الساحر في السيرك، حريص على أن يقدم فقرة جديدة كل موسم. فلا بد له في كل موسم من اكتشاف جديد. ليكسب إعجاب الناس، به أو بالإسلام، أو ليقول للناس إن أدلة إعجاز القرآن لا تنفد ولا تنقضي. ونحن نؤمن أنها كذلك، ولكننا نقول إن في كل عصر سيكتشف أهله ما يكفيهم، بلا حاجة للتنطع أو ليّ أعناق النص، أو افتعال دليل. فالذي يحاول افتعال دليل، يتصرف وكأن ما في يده من الأدلة لا يكفي. والعاقل الذي يبحث عن الحق يكفيه دليل واحد. فمن لم يقبل الدليل كبرا أو عنادا أو اتباعاً لهواه فلن يكفيه شيء.


يتبع


١١/٣٠/٢٠٠٧

أسباب مغيبة لانتصار المسلمين

أسباب مغيبة لانتصار المسلمين

من المشاكل التي تعاني منها أجيالنا الحديثة سوء تعليم التاريخ. فنحن ندرس التاريخ في مدارسنا بشكل إما يسيء عرض الأحداث أو يسيء قراءتها. وسوء السرد يوهم الطلاب بتاريخ مخالف للحقائق، وسوء القراءة يجمع بين سوء تصور التاريخ، وتحريف الوعي.

ومن أمثلة ذلك ما درسناه في المدارس عن الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام. فقد درسنا في دروس التاريخ، أن الدولة الإسلامية حققت أحد أسرع نماذج اتساع الدول على مر التاريخ، وأن هذا التوسع كان الأثبت تاريخيا... وهذا صحيح وصادق، ولكن ما خدعونا به في تلك الدروس، هو عوامل انتصار المسلمين السريع على الدولتين الأعظم في ذلك الزمن، الفرس والروم..

وكان السبب الذي يذكرونه هو إيمان المسلمين،، وأحيانا يضيفون ضعف الفرس والروم نتيجة الحروب بينهما.. وأنا أرى أن السبب الأول غير كاف، والسبب الثاني غير صحيح..

أما الإيمان، فهو لا يكفي وحده للانتصار في معركة، وليس الانتصار في حرب بهذا الحجم. ولا أظن أن جيوش الفاتحين كانت أكثر إيمانا من جيش الصحابة الذي هزم في أحد، وكان قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لا يستطيع أحد أن ينكر وجود إيمان متميز لدى تلك الجيوش، ولا يستطيع أحد أن ينفي دور هذا الإيمان في النصر، ولكن الإيمان وحده لا يكفي.. لا بد أن يصاحبه العمل، العمل الصالح.. أو ما يسمى الأخذ بالأسباب..

والسبب الثاني الذي ذكروه هو ضعف الدولتين الفرس والروم بفعل الحرب التي دارت بينهم في صدر الإسلام، وقد توقفت هذه الحرب قبل بداية الفتوح بوقت كاف لاستعادة أي دولة منها لقوتها العسكرية، وعافيتها الاقتصادية مرة أخرى.. والدليل على ذلك أعداد الجيوش التي واجهت المسلمين في الجبهتين، ففي القادسية حشد الفرس 120 ألف مقاتل، ثم عادوا في نهاوند وحشدوا 150 ألف مقاتل،، عدا عن الجيوش الصغيرة التي واجهت المسلمين في المعارك المتفرقة قبل القادسية وبعدها.. وقد غنم المسلمون ملايين الدراهم في فتح المدائن، وفي عدة مواقع أخرى، كان كسرى يخفي بها كنوزه. في صورة أموال وحلي وجواهر،، عدا التحف الفنية التي لا تقدر،، فهذه دولة ليست بالفقيرة ولا الضعيفة،، وكان لدى الروم قوات قريبة للفرس في العدد والعدة.

ثم إن ضعف الدولتين (المزعوم) لا يفسر كيف انتصر 34 ألف على 120 ألف في القادسية،، والأرقام قريبة من ذلك في اليرموك..

وإذا كانت الحروب التي انتهت منذ سنوات ما زالت تؤثر في قوة الدولتين، فما بال حروب الردة التي لم تنته إلا قبل بداية فتح العراق والشام بأشهر معدودة. ألم تؤد هذه الحروب التي شملت الجزيرة كلها إلى ضعف العرب، وخاصة أن المرتدين لم يسمح لهم أبو بكر بحمل السلاح. والمشاركة في الفتوح.

إذا هذا التفسير لا يكفي ولا يصح..

والسبب الحقيقي لانتصار المسلمين في هذه الحروب هو الإيمان والعمل.. معا..

العمل الصادق، أو العمل الصالح..

الإعداد الجيد للمقاتل، أثبت المقاتل العربي المسلم في هذه الحروب تفوقه الفردي على المقاتل الفارسي أو الرومي، فكل المبارزات الفردية انتهت لصالح المسلمين، حتى أن رستم قائد الفرس في القادسية منع الفرس من المبارزة في اليوم الثالث، لأنه رأى رجاله يخسرون جميع المبارزات. وكان العربي يجيد استخدام كافة أنواع السلاح، السيف والرمح والقوس، ويجيد القتال راكبا أو راجلا أو جاثيا على ركبته. ويجيد القتال في تشكيلات صغيرة تصل إلى أفراد دون العشرة أو في تشكيلات تصل إلى آلاف. إذن كان المقاتل أحسن إعداداً، مما مكنه من تجاوز الفارق في المعدات.

الالتزام والانضباط على مستوى الأفراد، فكان كل فرد من القائد إلى الجندي يلتزم بدوره المحدد، وبالتعليمات الصادرة إليه. مع وجود روح المبادرة لدى كل فرد في الجيش، فيستطيع أن يتخذ قرارا وفق صلاحياته، إذا تطلب الأمر ذلك. وهذا ما لم يكن موجودا لدى جيوش الفرس والروم.

التخطيط الجيد، والتخطيط الجيد على عدة مستويات، فقد أحسن المسلمون استغلال نقاط تفوقهم، في السرعة وخفة الحركة، مما جعل الدروع والمعدات التي يحملها الفرس أو الروم تتحول من عنصر تفوق إلى عنصر ضعف. والتخطيط الجيد في اختيار مواقع القتال، وحصار الأعداء في مناطق ضيقة تفقدهم إمكانية استغلال ميزة التفوق العددي، كما في القادسية واليرموك، وغيرها.

العدل والأمانة، لقد كسب المسلمون ثقة أهل البلاد التي فتحوها، كما كسبوا احترام أعدائهم أنفسهم، بحسن المعاملة والعدل والصدق والوفاء. فلم يتوقع أهل دمشق الذي اعتادوا على ظلم الروم، أن يعيد إليهم أبوعبيدة بن الجراح الجزية عن العام الذي انسحب فيه من دمشق، وقال لا نأخذ منكم الجزية إن لم نمنعكم (أي نحميكم). وقد كان أمر عمر بن الخطاب إلى جيش سعد بن أبي وقاص، "إن قال أحد من المسلمين كلمة أو أشار إشارة لأحد رجال الفرس هي عندهم أمان، فأجروا له ذلك مجرى الأمان". فلم يفقد العدو ثقته في المسلمين. وكان من يدخل الإسلام يصبح واحدا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، ويقبلونه واحدا منهم.

هذه العناصر من العمل هي ما يغفل عنه المعلمون في أيامنا هذه.. فيخرج جيل إما يحسب أن الإيمان والصلاة وحدها كافية للنجاح وتحقيق الآمال، فإذا لم تتحقق آماله بالصلاة والصيام، كفر بكل القيم والعقائد.. أو منتظرا للظروف المواتية، (ضعف الدولتين) لكي يبدأ السعي، فقد تعلم هذا الجيل أن المسلمين لم يحققوا ما حققوا إلا بضعف الدولتين (الظروف المواتية)، ولم يعلم أنهم لم ينتصروا إلا لأنهم أحسنوا صنع الظروف أو استغلال ما يجدّ منها.. ولم ينتظروا أن يقاتل الله عنهم، بل فعلوا ما في وسعهم، قاموا بكل ما يمكنهم القيام به. ثم استعانوا بعد ذلك بالله، وطلبوا منه النصر والتأييد، فاستحقوا النصر على عدوهم..

إن الإيمان ضروري بلا شك،، والاستعانة بالله واجبة بلا جدال. ولكن الله لم يذكر الإيمان في القرآن إلا وذكر معه العمل، العمل الصالح..

ولم أر في التاريخ الإسلامي نصرا جاء، ولا انجازا تحقق، إلا بالعمل الصادق، والإعداد الجيد، والتخطيط السليم، بدءاً من غزوة بدر مرورا بالقادسية واليرموك ونهاوند والزلاقة وحطين وعين جالوت، وفتح القسطنطينية، إلى تصدي قوات المقاومة اللبنانية لمحاولات التوغل الإسرائيلي في عام 2006.

لم ينتصر المسلمون بالإيمان والدعاء فقط، وإنما بالإيمان والعمل الصالح. وهذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أوّلها..

الإيمان والعمل الصالح.

١٠/٢٣/٢٠٠٧

فتوى حرية الصحافة

فتوى حرية الصحافة


أثارت تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة، بشأن إقامة حد القذف على الصحفيين، الكثير من الاعتراض والضيق والرفض، إن لم يكن إجماع عليها، وردود الأفعال الغاضبة. منها من أعلن غضبه على الشيخ سيد طنطاوي، ومن شمل معه الأزهر، وعلماءه وشيوخه، وتاريخه. ومن عمّ باعتراضه علماء المسلمين، وتاريخ الفقه الإسلامي منذ عهد الصحابة إلى يوم القيامة.

والحقيقة أن أقوال الشيخ طنطاوي هذه المرة، كالعادة، قد جانبت الصواب. والغريب أن كثيرا من معارضيه كذلك قد أخطأ السبيل في جوابه والرد عليه. وإذا كان الشيخ قد أخطأ قراءة واقعه، فكثير من مخالفيه أساؤوا قراءة الواقع والتاريخ والنص معا.

وأحب بداية أن أؤكد على أمرين، لا أحب أن يخطأ فيهما أحد.

الأول:

أنني لا أجادل في وجوب إقامة حدود الله، ولا أرى لأحد الحق في مناقشة وجوب إتباع أوامر الله، والتوقف عن نواهيه، والالتزام بحدوده. فليس لمسلم إذا أتاه حكم الله إلا أن يسمع ويطيع. ولا إذا جاءه أمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتبعه. فهذا أمر لا جدال فيه ومراء.

الآخر:

أنني لست بمعرض الدفاع عن الشيخ سيد طنطاوي في أي جزء من كلامي هذا، ولا عن مواقفه وتصريحاته. فلا أحب أن يفهم أحد من كلامي أي نوع من المساندة للرجل، أو الدفاع عنه أو مناصرته.

والشيخ، هدانا الله وإياه، قد أخطأ في هذا التصريح مرتين. مرة قراءة الواقع، ومرة في تنزيل الحكم. فحد القذف ثابت لا جدال فيه. أن من اتهم مسلما بالزنا ثم لم يأت بأربعة شهداء، جلد ثمانين جلدة، وسقطت شهادته. هذا حكم الله عز وجل. وتلك حدود الله التي أمر ألا نتعداها. فلا يجوز الجدل حولها، ولا المناقشة في أمرها.

ولكن، هل القضية المطروحة هنا، على هذا الوجه، هل قام أحد من الصحفيين المثار حولهم الجدل بقذف الرئيس أو زوجه أو ابنه، أو أحد من الخاصة الحاكمة أو من العامة المسحوقة بالزنا أو الدعارة. لم نسمع بذلك. فإذا قال أحد أن أي تهمة بالباطل، تعادل القذف كان هذا قياسا فاسدا. لأن كل الأمور تثبت بشاهدين، إلا الزنا لا بد من أربعة شهود. فإذا كان الله عز وجل قد ميز هذه التهمة بطلب برهان أكبر من سواها، دل ذلك على أنها تختلف عن تهمة السرقة أو الاختلاس، أو حتى الخيانة العظمى.

ولكن من جهة أخرى لا يعقل أن نقول أن كل من أراد أن يقول قال، بلا مسؤولية أو حساب. فلا يصح أن أسمح لرجال الإعلام أن يخوضوا في أعراض الناس وسمعتهم، تحت دعوى الحرية، دون ضابط ولا قيود. فإذا كنا نطالب للصحافة بالحرية في التعبير عن الرأي، وممارسة دورها في الرقابة علي السلطة التنفيذية والتشريعية، ونحرص على توفير الضمانات الكافية للصحفي، لكي يقوم بدوره هذا وهو آمن، فلا بد أن يكون هناك تشريع يحفظ للصحفي وغيره كرامته وسمعته وعرضه وخصوصيته من الانتهاك، أو التعدي تحت دعوى الحرية.

وهذا الخيط الدقيق الذي يضع الحد بين حرية الصحافة في الرقابة والمحاسبة، وبين حق الأفراد في حفظ كرامتهم وسمعتهم وخصوصيتهم هو الذي يجب أن يكون مجال الجدال. وهو يحتاج إلى ما يزيد على التشريع القانوني. فهو يحتاج إلى التربية والتدريب والممارسة. وإلى قضاء مستقل واع، يستطيع أن يحكم بين الناس بالحق، وأن يمد هذا الخيط الدقيق بما ينشر الأمن للصحافة النشر، والأفراد العاديين. فلا يتعدى صحافي على بريء، ولا يخشى فضح مذنب.

فهذا الخطأ في تنزيل النص. أما الخطأ في قراءة الواقع، فهو أن الصحافة تعاني من القمع أكثر مما تمارس الفوضى، والتجاوز الذي يبدر من حين لآخر إنما مردّه إلى القمع في المقام الأول. فكيف للصحافة أن تؤدي دورها في الرقابة، وهي مغلولة اليدين عن الوصول إلى المعلومات، وممنوعة من نشر الحقائق. وإذا اختفت الحقائق أو أخفيت، اتجه الناس إلى الظن. فإذا ساءت النتائج التي يرونها ساء ظنهم بالتبعية. والسبيل الوحيد لإسكات الشائعات المغرضة هو نشر الحقائق، بوضوح وصراحة أمام الناس. وإن كان هذا يؤدي إلى ضرر كبير لأصحاب مصالح ونفوذ، فإن إخفاء الحقائق يؤدي إلى أضرار كبيرة لهم وللمجتمع ككل.


فكان الأولى بالشيخ أن يتبصر في حال مجتمعه ليرى من الأولى بالعقاب، ومن الأحق بالتنديد والوعيد.

هل هم أهل الصحافة وإن تجاز بعض منهم القصد، وأخطأ السبيل؟

أم من يحبس الناس بدون وجه حق؟

أم من يمارس تعذيب الشعب كل يوم لسبب أو بدون سبب؟

أم من يزوّر الانتخابات، ويضرب القضاة؟

أم من يسرق أقوات الناس وأموالهم؟

أم من ينشر فيهم مبيدات مسرطنة، وأغذية سامة، وحليب أطفال مغشوش؟

أم الجامعات التي تبيع شهادات الدكتوراة لمن يدفع ثمنها، أو تهديها لمن كان له نفوذ أو دلال؟

أم يسعى إلى إفساد الأزهر، وتقويض مكانته العلمية العريقة؟

أم من يوزع آثار البلد، وثرواتها من أجل مجد شخصي زائف أو مدح زيف يتلقاه؟

أم.. أم ... ولو أخذت أعد قد لا أنتهي..



ألم يكن من الأجدر به أن يحسن النصح لأمته ولأولي الأمر فيها؟ بدلا من قوله الذي قال، ورده عليه الجميع. حكومة وشعبا، إسلاميين وعلمانيين، حزب وطني وإخوان وتجمع. بل وعلماء الإسلام أنفسهم ردوا قوله، وخطأوا فتواه.

فهذا عن التصريح الأخير وحده، أما الحديث عن الشيخ طنطاوي نفسه فله مجال آخر.


وللحديث تتمة بإذن الله تعالى..



١٠/٠١/٢٠٠٧

دعوة للذنوب .... ولكن

أين نحن من ذلك؟


قال الشاعر:

كن كيف شئت فإن الله ذو كرم وما عليـك إذا أذنبـت من بـاس

إلا اثنتيـن، فلا تقربهـما أبـدا الشرك بالله ، والإضـرار بالنـاس


وهو قول فيه الكثير من الصواب، فالشرك هو أعظم الذنوب وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى، وهو يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، إلا حقوق الناس، فإنهم يقتضونها منك يوم القيمة حتى يأخذ كل واحد منهم حقه.

فهذان الأمران (الشرك الله، والإضرار بالناس) هما الخطر كل الخطر، وما عداهما هين بسيط يغفره الله.

ولكن..

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن تطيع هواك في أمر الله، فتقول أحب في ما نهى الله عنه ولا أحب في ما أمر به؟

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن تلبي دعوة الشيطان إلى النار بدلا من دعوة الله إلى الجنة؟

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن يكون خوفك من رئيس أو مدير، أكبر من خوفك من الله عز وجل؟

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن يكون حبك لرضا امرأة أو سعادة أبناء أكبر من حبك لرضا الله؟

أليس من الشرك، أو ما يشبه الشرك، أن يكون حرصك على الدنيا أكبر حرصك على الآخرة؟



ثم الإضرار بالناس:

أليس إلقاء القمامة في الطريق إضرار بالناس؟

أليس النظر إلى عورات الناس إضرار بالناس؟

أليست إصدار الضوضاء ولو للوعظ والإرشاد إضرار بالناس؟

أليس الكلام البذيء الخارج إضرار بالناس؟

أليس ما تقدمه الفضائيات من (فنون) إضرار بالناس؟


قال أحد الواعظين

إذا أردت أن تعصى الله فلا بأس بذلك، بشرط

أن تعصاه في مكان لا يقع في

وأن تكون معصيتك حيث لا يراك

وأن لا تستخدم نعمته التي أنعم بها عليك في معصيته

فإن استطعت ذلك، فافعل ما تشاء




٩/٢٨/٢٠٠٧

الرأي والرأي الآخر

الرأي والرأي الآخر


 

نحن جميعا نقر بحرية الرأي، حرية أن يعتنق من يشاء ما يشاء من الآراء والأفكار والمبادئ. وأن يعبر عن أيه كما يشاء حين يشاء. أو هذا ما نقوله جميعا. ولكن التطبيق تشوبه الكثير من النواقص. الأغلب على الناس أن صاحب الرأي يغضب إن قيل له أخطأت الرأي. ويصرخ بك "أنا حر في رأيي!" أو يهتف بك أنصاره "هذا اعتداء على حرية الرأي". مع أن رأيي في خطأ رأيك يحمل نفس قيمة الرأي. فهو رأي أمام رأي. فلماذا من حقك أن ترى رأيا وليس من حقي أن أرى أنك مخطئ.

صحيح أنني مطالب باحترام الرأي المختلف والرأي المخالف. ولكن لا بد أن يكون هذا المخالف "رأيا" ابتداء. ثم لا بد أن يكون جديرا بالاحترام. فكثير جدا مما يقال ويعلن وينشر باعتباره "رأي" لا يمثل إلا عبثا وهراء.لا يستحق احتراما ولا تقديرا ولا مناقشة.

كيف نكون رأيا؟

يتكون الرأي عند الناس من أجزاء ثلاثة. مقدمات، ومنهج، ونتائج.

المقدمات أو الأدلة هي الحقائق الثابتة والمعلومات المتيقنة والأسانيد التي يستند إليها الرأي ويعتمد عليها. وهذه المقدمات يجب أن تكون حقيقية صادقة، شاملة. غير منقوصة ولا مختلقة.

والمنهج هو أسلوب المعالجة أو وجهة النظر التي ينظر بها المفكر في المقدمات، ويعالج بها الحقائق. أو هي الطريق الذي يسير عليه العقل في ضوء الحقائق لكي يصل إلى هدفه. والمنهج لا بد أن يكون موافقا للعقل، مناسبا لمادة الحقائق التي تعالج. فمنهج الفكر القانوني أو الفقهي، يختلف عن منهج التجربة العلمية العملية. ومنهج بحث التاريخ المعتمد على الروية والآثار، غير منهج دراسة الاقتصاد والإدارة المبني على قراءة الماضي توقع المستقبل.

النتائج هي ما يتوصل إليه المرء بعد معالجة المقدمات باستخدام المنهج. أو هو الغاية التي يدركها العقل في سيره على النهج في ضوء الحقائق. وتختلف النتائج حسب المقدمات، والمنهج.

أحسب أن هذه بديهيات ينبغي أن تكون معلومة لكل أحد. ولكنني أحسب أن كثيرين يجهلونها او يتغافلون عنها عند إعلانهم رأيا، أو مناقشتهم لرأي.

عند مناقشة رأي معلن، أيا كان صاحبه أو موضوعه، لا بد أن تكون هذه المسائل حاضرة في ذهن من يناقش هذا الرأي.

المناقشة والجدل.

ومن أجل مناقشة مثمرة، وحوار بناء، لا بد أن يكون الهدف عند أطراف الحوار هو الوصول إلى الحقيقة، أينما كانت. أما السعي للانتصار للرأي، وإحراج الخصم، فهذا شأن المراء والجدال المذموم عند العقلاء والمذموم في الإسلام. فقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت في لجنة لمن ترك المراء وهو على حق. وقد يفترق المتحاوران وكل منهما على رأيه، ولا بأس من ذلك. وهذا ما قيل فيه اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

وكذلك يجب التمييز بين الرأي وصاحب الرأي. فليس في الرأي كبير ولا صغير، ولا تابع ولا متبوع. فليس صواب الرأي نابعا من صاحبه، بل من أدوات الرأي ومنهجه. فإذا جاء الرأي الصواب من تلميذ قبلنا رأيه وتركنا رأي معلمه إلى الرأي الأصوب ولا يقلل هذا من علم المعلم ولا يحط من قدره. وقد نزل داوود على رأي سليمان (عليهما السلام) في قضية أصحاب الماشية التي نفشت في حرث القوم. وفهمها الله تعالى لسليمان. وكلاهما نبي يوحى إليه. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو قدوتنا ومعلمنا) نزل على رأي الصحابي في منزل بدر. عندما قال له "الرأي أن تنزل عند أدنى ماء ثم تطم الآبار فنشرب ولا يشربون" . ولم يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم كونه نبيا مرسلا، وحاكما مبايعا، وقائدا عسكريا مطاعا، أن ينزل على رأيه أتباعه إذا كان أصوب من رأيه الذي رآه.

وقد ورد مثل ذلك كثير عن الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، وعن التابعين والصالحين من الحكام والقادة والعلماء.

نعود إلى مناقشة الرأي نفسه.

تقتضي مناقشة الرأي وتقويمه أن يبدأ المرء في فحص المقدمات التي بني عليها الرأي. فينظر هل هذه الأدلة صحيحة صادقة. أم أنها مختلقة مزيفة. وهل هي شاملة جامعة أم أنها قاصرة أو متخطفة منتقاة للوصول إلى نتيجة موضوعة سلفا. فإن كانت الأدلة فاسدة أو مكذوبة. مثل من يستند إلى حديث موضوع، أو مكذوب. أو إلى تفسير متخيّل لنص من القرآن. أو إلى ما ظن أنه حقيقة علمية (وهو ليس كذلك) فإن رأيه يرد عليه. دون حاجة إلى النظر في المنهج. لأن المقدمات نفسها فاسدة.

مثل أن يقرر أحد أن المرأة أقل من الرجل لأن في فكها أسنان أقل من فك الرجل. (وهو ما كان يظنها قدماء الإغريق). فهذا رجل توقف به العلم منذ أكثر من ألف عام. أو مثل ذلك الذي فسر الآية الكريمة "وليضربن بخمرهن على جيوبهن". فقال والجيب كما نعرف فتحة ذات طبقتين، ثم بنى على ذلك شيئا، فهذه مقدمات تدعو للضحك، ولا تستدعي المناقشة. بل يقال لصاحبها أيا كان تعلم أولا قبل أن يكون لك رأي.

وقد تأتي المقدمات صحيحة ثابتة لكنها قاصرة أو منقوصة. فتؤدي إلى الخطأ في الاستدلال.

فهناك مثلا من قال

قال الله تعالى "لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة" وبنى على ذلك أن الربا إن لم يكن أضعافا مضاعفة فهو حلال. وبرغم أن الدليل الذي بنى عليه رأيه صحيح، وهو من القرآن. إلا أنه قصر في جمع الأدلة. لأن الله تعالى يقول "وأحل الله البيع وحرّم الربا" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مما بقي من الربا..." فهذا رأي مردود، لنقص الأدلة.

وهذا يقودنا إلى ما سماه العلامة محمد شاكر ما قبل المنهج. أي جمع الأدلة أو جمع العلم، وإدراكه وفهمه بصورة صحيحة. لكي يستطيع الباحث أن يحسن النظر فيه، وأن يجيد الاستدلال به.

المنهج..

بعد الفراغ من فحص الأدلة والمقدمات، نأخذ في النظر إلى المنهج المطبق أو المنطق الفكري الذي تعالج بع هذه المقدمات. فننظر هل يؤدي بنا إلى النتائج التي وصل إليها صاحب الرأي، وهل يؤدي بنا بالضرورة إلى ذلك أم قد يؤدي بنا إلى ذلك الرأي وغيره. ثم كذلك ننظر إذا طبقنا نفس المنهج على ما يشابه ذلك من الحالات فهل يؤدي بنا إلى نتائج صحيحة أم أنه منطق فاسد خداع.

فنهاك رأي يقول إن أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية، يركتبون الكثير من التجاوزات،(وهي مقدمة صحيحة). إذن يجب إلغاء هذه الهيئة. (وهي نتيجة فاسدة). لأن المنطق نفسه إذا طبقناه في المجالات المشابهة، سنجد أن القضاة يخطؤون في الحكم أحيانا، فهل نلغي القضاء؟ ورجال الشرطة في كل بلاد الدنيا يتجاوزون، فهل نلغي نظام الشرطة؟ أم أن البشر في كل هذه المجالات مطالبون بالبحث عن إصلاح النظام وتوفير ضمانات للحد من هذه التجاوزات، وعلاج هذه الأخطاء؟

فإذا كانت المقدمات صحيحة صادقة شاملة، والمنهج سليما صحيحا، كانت النتائج أقرب ما تكون إلى الصواب. وقد يأتي آخر يعالج نفس المقدمات باستخدام فكر آخر ومنهج مخالف، فيصل إلى نتائج مغايرة ويستنبط أحكاما جديدة. ويكون لكل من الرأيين وجاهة واعتبار، ويظل من الطبيعي أن يثبت كل منهما على رأيه الذي ارتآه، وأن يكون لكل منهما أتباعه الذي يؤمنون برأيه، ولا بأس من ذلك. فلو أراد الله أن يكون الناس أمة واحدة لخلقهم كذلك.

هناك عشرات المناهج التي تبدو للنظرة الأولى منطقية عقلانية، ولكن بالبحث فيها قليلا تجدها فاسدة مضللة. وهناك مناهج مختلفة تحمل كلها قدرا من الصواب والتماسك. ويظل لكل منها قصورها في مجالات ومسائل. لأن الفكر عمل بشري في النهاية، وكل عمل بشري قاصر بالضرورة، والكمال لله وحده.

بعد أن يقوم الرأي على أدلته ومنطقه، يأتي من يناقش الرأي محاولا إثبات خطئه وبطلانه، بنقد أدلته وتفنيدها، أو بإثبات فساد الاستدلال. فإن تمكن من ذلك، سقط الرأي ولم يعد له اعتبار، أو على الأقل أصبح رأيا عرضة للشك والنقض. وإلا ثبت الرأي وتحول إلى حقيقة ثابتة, وهذه الحقيقة تدخل بدورها كمقدمة في رأي جديد يبنى عليها.

فمثلا كان الرأي القديم أن العين تطلق شعاعا يقع الأجسام فنراها، إلى أن جاء ابن الهيثم. فبحث في هذا الرأي فوجده لا يستقيم، وأثبت أن الضوء يقع على الجسم أولا ثم ينعكس على العين فتراه. ولما أثبت ابن الهيثم ذلك بالبحث والتجربة، ولم يستطع أحد إثبات خطأ هذا الرأي أصبح حقيقة عليمة راسخة، بني عليها علم البصريات، إلى يومنا هذا.

الرأي والمعلومة

من حقك أن تخطئ الرأي، ولكن ليس من حقك أن تخطئ العلم.

هناك فارق كبير بين الخطأ في الرأي، كالذي ينتج عن قصور في الدلائل أو خطأ في الاستدلال أو السهو أو غير ذلك، وبين الخطأ في المعلومة الثابتة. فالذين يدافعون عن رأيهم في أن الأرض مسطحة (وهم كثيرون في الغرب). هم يدافعون عن معلومة خاطئة. معلومة ثبت خطؤها من قديم. وأرجو أن لا يطالبني أحد باحترام "رأي" من يرى أن الشمس تشرق من الغرب.

فرق أخير بني الرأي والسباب، فمن حقك أن يكون رأيك أنني جاهل، وأن ما أكتبه هراء. بشرط أن تأتي بما يدل على ذلك. وإلا كان ذلك إساءة وتطاولا. من حقك أن ترى أنني مخطئ، ولكن ليس من حقك أن تسيء إليّ أو إلى غيري. سأتمسك برأيي مادمت أراه صحيحا، وسأتمسك حتى الموت بحقك أن تثبت على رأيك وتدافع عنه. ولكن هذا الحق الرأي لا يتضمن بحال الإساءة والتطاول البذاءة.

٩/١٦/٢٠٠٧

أفضل السبل لنصرة الإسلام

أفضل السبل لنصرة الإسلام

يحب جميع المسلمين أن يخدموا الإسلام، وأن يدعوا الناس إليه، ويسعد كل منهم أن يهدي الله به واحدا من الناس. ولكنهم يختارون سبلا مختلفة في الدعوة إلى الإسلام. بين الجدل والمناظرة، وتسفيه الأديان الأخرى، وبين عرض الإسلام والحديث عنه بشكل مستمر. وطبعا لا مجال للحديث عن التيار التكفيري مثل القاعدة أو ما ينسب إليها.

وأنا أحسب أن أفضل ما يقدمه المرء للإسلام هو أن يكون مسلما صالحا، ويحترم نفسه ودينه. وأن يكون حسن الخلق. فإذا فعل ذلك نال احترام الناس من كل الأديان، نال احترام الناس له ولدينه على السواء. أما الاتجاه إلى تسخيف الآخر وتسفيهه بدون مناسبة، فهو لا ينتج إلا رفض الآخر ونفوره مما تدعوه إليه.

لكي لا يساء فهم كلامي، نعم نحن مطالبون ببيان الإسلام والدعوة إليه، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة. فالحكمة تقتضي اختيار الوقت والمكان والأسلوب المناسب. أما أن أتعرض للناس كل حين بالتهجم والسخرية من أديانهم وعقائدهم، فلا تتوقع عندها إلا أن تقابل بالمثل. والموعظة الحسنة هي التي لا تنفر الناس مما تدعوهم إليه، ولا تبغضهم في ما تقوله.

وأنا أحسب أن أول الطريق للدعوة هو أن أنال احترام الناس لديني، وهذا لا يأتي إلا من احترامي لديني وتمسكي به. فمثلا منذ أيام رأيت لقاء للاعب المصري (أحمد حسن) يروي بعض ما يمر به في بلجيكا، وسئل عن مشكلة الصيام في رمضان وموقف المدرب، فقال: "لم تكن مشكلة، المدرب لم يكن فاهم للوضع، ولما عرف أنه (الصوم) فرض، ولا يمكن أن أفطر بسبب مباراة. تقبل الوضع. عندما تحترم دينك يضطر الجميع لاحترامه". مع أن زملاءه في الفريق من المسلمين يفطرون للمباريات. وأنا أتفق مع أحمد حسن في هذه العبارة تماما (عندما تحترم دينك يضطر الجميع لاحترامه) والروايات التي تدعم ذلك كثيرة.

واحترام الإسلام ليس فقط الغضب عندما يتكلم أحد عنه بسوء، أو يتطاول أحد عليه أو على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وإنما احترامه الحقيقي يأتي بالالتزام به. الالتزام سواء بالعبادات أو الأخلاق والسلوك. لقد أدهش انتشار الإسلام كل الباحثين، كيف انتشر الإسلام بهذه السرعة في جميع أرجاء الأرض. إن أحد أهم أسباب انتشار الإسلام هو التزام المسلمين به في حياتهم اليومية، في العبادات والأخلاق. أعرف أسرة مسلمة في أمريكا، الرجل مسلم عادي، يصلى ويصوم ويراعي حق أسرته وناجح في عمله، والزوجة كذلك. وهي الأسرة الوحيدة في ذلك الشارع التي لم يسمع لها صراخ أو صياح. وهو البيت الوحيد الذي لا يدخله الخمر. ولا يعرف الخيانة. فكان جيرانه يسألونه عن سر الهدوء الذي تتمتع به أسرته، فأجابهم الإسلام. وكيف ذلك؟ فبدأ يشرح لهم كيف أن الإسلام يحرم الخمر والمخدرات والزنا، وكيف يرتب الإسلام العلاقات بين أفراد الأسرة، بصورة تحفظ للجميع حقوقهم، وتكفل لكل واحد منهم السعادة والراحة والأمن. وكان التعليق النهائي دائما لم نكن نعرف أن الإسلام كذلك. لأن صورة المتديّن عندنا دائما هو المتجهم العابس، كث اللحية، الكاره للدنيا وما فيها. (وهي صورة بغيضة منفرة، ساهم فيها إعلامنا وبعض دعاتنا أصلحهم الله).

ربما لم يدخل أحد منهم الإسلام،

ولكن نظرتهم إلى الإسلام والمسلمين تغيرت إلى الأفضل.


أحسب أن أهم ما يقدمه الإنسان للإسلام أن يكون مسلما كما يرضى الله ورسوله. لا أفهم أن يدافع إنسان عن الإسلام بمخالفة الإسلام، فيكون دفاعه أسوأ من العدوان الأول. وهو ما يفعله كثير من الناس، فتراه يسب المخالفين ويلعنهم ليل نهار. وإذا خالفته في قول أو رأي، وجدته لا يتحمل حوارا ولا جدلا. ويتهمك بكل التهم بدءا من الضلال وإتباع الشيطان، مرورا بالخيانة والكفر والزندقة. إلى اتهامات تتعلق بالشرف والكرامة لا محل لها في الموضوع. وما هكذا ينصر الإسلام. وما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن أهم ما جعل الناس تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتبعه، هو أنهم لم يجربوا عليه كذبا قط، فصدقوه. وأنه كان على خلق عظيم فتبعوه. ولو كان فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله.

فما بال كثير من الناس يزعمون نصرة الإسلام، ويخالفونه؟

ويزعمون نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحيدون عن سنته؟

ولو أنهم سكتوا لكان خيرا لهم وللإسلام.

والله أعلم..

٥/٢٤/٢٠٠٧

على هامش الفتوى الأخيرة

هذه ملاحظات حول ما ثار من جدل في شأن الفتوى الأخيرة لرئيس قسم الحديث في الأزهر، حول إرضاع الكبير لمنع الخلوة. وقد عدل الرجل عن فتواه، وأقر بخطئه فيها. وهو رجوع إلى الحق يشكر له. ولكنه لا يمنع من قراءة الموقف مرة أخرى لمنع مثل هذه التداعيات لفتوى خاطئة.
بداية لا بد أن نقر أن من يعمل معرض للخطأ، ومادمنا لا نقر العصمة لأحد من الناس. فلا بد أن من يتعرض للإفتاء (مهما بلغ علمه) معرض للخطأ. ولذلك فعلينا أن نسعى لتقليل هامش الخطأ في الفتاوى من ناحية. وتثبيت آليات مراجعة الفتاوى وتصويبها من جهة أخرى. بعيدا عن الإثارة الصحفية التي تعمل على التشكيك في المراجع والمرجعية الدينية. مما يحطم ثقة الناس بدينهم ورجاله. وهو هدف لكثيرين لا يخفى أمرهم على من يتابع هذا الأمر.

الهامش الأول حول مصدر الفتوى
فهي صادرة عن رئيس قسم الحديث في الأزهر. أي أن الشيخ عطية محدّث وليس فقيه. ليس مختصات بالفقه. فلم يكن له أن يصدى للإفتاء. وهذا ما قاله الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه "السيرة النبوية بين أهل الحديث وأهل الفقه".
ودراسة الإسلام لمن لا يعرف متعددة التخصصات، فمنها دراسة الحديث، ودراسة التفسير، والفقه. والفقه نفسه أصبح الآن تخصصات، فمنه الفقه المالي، وفقه الأحوال الشخصية، وغيرها.. فحال هذه الفتوى يشبه أن يخرج علينا أخصائي تخدير في أكبر مستشفيات العالم ليقول أنه اكتشف طريقة جديدة لزراعة الكبد. صحيح أنه طبيب ولكنه غير مختص بزراعة الأعضاء.
كذلك المحدّث والفقه. فالمحدث عالم ولكنه ليس مختصا بالفقه والإفتاء. فالمحدث يحكم بمدى صحة الحديث سندا. وخلّوه من العلل في المتن. ويبين مناسبة الحديث وظروفه. وهنا ينتهي عمله. ويبدأ دور الفقيه، فيستخرج من هذا النص حكما، أو يغلب عليه نصا آخر. ويصدر فتواه بذلك.

الهامش الثاني هو ردود الأفعال حول هذه الفتوى
فقد انقسمت الردود والتعليقات حول الفتوى إلى قسمين
قسم من المخلصين: ومنهم الفاقهين ناقشها وردها وبين خطأها. ومنهم من اعترض من قديم على الفتاوى العلنية، باعتبار أن الفتوى خاصة بحالها. وأنها تشبه وصفة الطبيب لمريضه، فلا ينبغي أن تعمم على الناس، لأن أمراضهم وأحوالهم تختلف من فرد لآخر، ومن مكان لآخر ومن زمان لآخر. وكذلك الأزهر نفسه عندما شكل لجنة لمناقشة الفتوى، ومراجعة صاحبها فرجع عن رأيه، وأعلن أنه كان مخطئا في ما ذهب إليه. وهو رجوع إلى الحق يشكر له. و بعض من قليلي العلم، (حسن النية فيما نظن) قرر تكذيب الحديث الذي استندت إليه الفتوى. وهو تكذيب بغير علم ولا دليل، فهو أقبح من الفتوى الصادرة من غير صاحب اختصاص. لأن عدم فهمي للحديث الصحيح، أو القرآن، لا يسمح لي بتكذيبه. وإنما نرجع العلم لله، فهو أعلم وما أوتينا من العلم إلا قليلا.
القسم الآخر وأغلبه من المعادين للأزهر وما يمثله من مرجعية إسلامية، سعت للتصيد لرجاله، والبحث في أخطائهم. تحت دعاوى ظاهرها الإخلاص والإصلاح، وباطنا الهلاك والإهلاك. وكثير منهم جاوز القصد، والمنطق، والعقل الذي يتذرع به.
فانطلقوا في علمية تشهير وتحقير للرجل، والأزهر بتاريخه وحاضره، ورجاله وعلمائه. مطالبين العلماء بالسكوت والانسحاب من حياة الناس. وهذا باطل أشد البطلان. وكان الأصوب منه أن يطالبوا الأزهر بضبط علمية الإفتاء من خلال عمل جماعي، بدلا من أن يطالبوا الأزهر بالانسحاب. وسعوا في الغمز في رجال الأزهر وتاريخه. والسخرية في محل الجد. والتسخيف الذي لا يدخل أبدا في بابا النصيحة الواجبة.
والكل تكلم عن العقل وما يوجبه، ولكن لم نسمع لهم صوتا حين خرج علينا من أسموه (مفكرا إسلاميا) ليقول هراء تحت زعم التفسير الحديث للقرآن. منه (أن الحجاب المطلوب من المرأة أن تغطي ما تحت رقبتها، وما تحت الثدي، وما تحت الإبط، وماتحت الألية، وما زاد على ذلك فهو بحكم العادات ولا علاقة له بالدين) ومازال الرجل موضع ترحيب وتقدير في محافل العقلانيين. ولم يعترض كثيرون حين أفتى رجل غير عربي اللسان في تحريف القرآن الكريم معتمدا على سليقته!!!.
ومن لطيف التعليقات التي تكررت، أن قال البعض "إن الغرب قد خرجوا إلى الفضاء، ووصلوا إلى علوم الذرة، وأنتم مشغولون بنواقض الوضوء، وأحكام الطهارة" وهذا قول قد يبدوا عليه الذكاء لأول وهلة. ولكن الأجدر أن يقال هذا الكلام لمن انشغل بعلم غير نافع. فهو لم يقل هذا لمن انشغل بتحليل مباريات كرة القدم أو متابعتها. ولم يقل ذلك للجنة التحكيم في ستار أكاديمي. (باعتبار أن بالرقص والغناء والكرة تقام الحضارات وتنهض الأمم). أما الأخلاق وأحكام الطهارة، وحفظ الأنساب فهو عبث لا ترجى منه فائدة.
والصحيح أن علوم الدين والدنيا في الإسلام فرض كفاية. وفرض الكفاية من المفاهيم الملتبسة على كثيرين. فعلم الطب، والهندسة، والذرة، هي فرض كفاية. كما أن علوم الشرع والفقه والتفسير والحديث هي فرض كفاية. (أما نواقض الوضوء وأحكام الطهارة فهي فرض عين. إذ لا تصح صلاة بغيرها)
وفرض الكفاية هو ما يجب على عدد كاف من المسلمين القيام به. فإذا قام به عدد كاف سقط الفرض عن البقية، وإذا لم يقم به عدد كاف أثم القاعدون. عنه. ويدخل فيه كل ما يلزم الأمة لحياتها ونهضتها. من كل التخصصات والمجالات. فلا يعقل أن أهاجم من سد ثغرة على ترك جهة أخرى. ولكن سائلوا القاعدين عن العمل والعلم لم قعدوا. فهؤلاء علماء سعوا في سد ثغرة، فمنهم من أصاب وأحسن ومنهم غير ذلك. ولكن لهم أجر السعي. فأين القاعدون للتصيد، والتشهير. ماذا قدموا، وماذا فعلوا؟
فهذا كلام متصيدين للخطأ وليس كلام ناصحين مخلصين. صحيح أن الرجل (غفر الله لنا وله) أعطاهم الفرصة ليقولوا، ولعل في رجوعه إلى الحق ما يكفر عنه. ولعل في ذلك خير، أن نعرف البعض من لحن القول. وأن يتبين لنا الناصح الصادق من دعاة التشهير والتحقير.
الملاحظة الأخيرة عندي
أن الكل قد أدلى بدلوه في هذه الفتوى، العالم والجاهل. والكل جاء بأسانيد منها الصحيح ومنها دون ذلك. ولكن لم أر أحدا رجع إلى قول العلماء. ولم أجد من قال لا أدري. وهذه ظاهرة خطيرة. فأنا منذ نشأت لم أجد من يقول لا أدري في أي مسألة وأي شأن. في فقه أو طب أو سياسة أو علوم عسكرية. الكل يعلم والكل يفهم والكل يفتي.
مع أن الإمام الشافعي سئل في بضع وعشرين مسألة فقال لا أدري.
ومن قال لا أدري فقد أفتى.


٥/١٤/٢٠٠٧

علمني أبي 1


درس في التعامل مع الناس
وحوادث الأيام

حدث في أحد أيام صباي أن غضبت من أحد أقاربي، وقاطعته وقررت أن لا أكلمه. وبعد أيام رفضت خلالها عدد من الوساطات لإعادة الأمور إلى طبيعتها، دعاني أبي وسألني:"هل تنوي أن تقاطعه إلى الأبد؟ هل هذه هي الصورة النهائية للعلاقة بينكما كما تريدها؟" فأجبته:"لا. إنما هي أيام ويعود كل شيء إلى طبيعته."

فقال لي:" إذن لماذا تطيل الأمر؟ هل تنتظر حدوث شيء معين؟" قلت:"لا، سأنتظر بضع أيام ثم تعود الأمور كما كانت"

فقال :" كلما طال الوقت كانت العودة أصعب عليك وأصعب عليه. وحتى إذا عدتما أصدقاء كما كنتما فإن فترة القطيعة تترك أثرا في النفس يزداد كلما طالت المدة، ثم أنت اليوم تدعى إلى الصلح فتأبى، ثم تريد غدا أن تذهب - دون دعوة- إلى الصلح الذي أبيت. فأيهما أكرم لك أن تُدعى فتجيب أم أن تذهب دون دعوة؟ وما أدراك أن تأخذه العزة بعد قطيعتك له فيرفض الصلح. أنت بما تفعله تغلق باب العودة بينكما ربما إلى الأبد." فذهبت إلى قريبي وتصالحنا ومازال إلى اليوم من أقرب الناس إلي.

وقال لي أبي يوما:" إذا أردت أن تقاطع شخصا، فافعل دون كلام. لا تحتاج إلى أن تخبر الدنيا بذلك. فإذا أردت أن تعود إليه يوما كان من السهل عليك ذلك. أما إذا أعلنت عن رغبتك في مقاطعته كان من الصعب أن تعيد العلاقة إلى ما كانت. وإذا استطعت ذلك كان بثمن كبير. يا بني افتح لنفسك دائما خطا آمنا للتراجع. فإنك لا تدري ما يحدث غدا. لا تحاصر نفسك ولا تحاصر خصمك. فإنك إن حاصرت نفسك فقدت القدرة على تصحيح أوضاعك إذا احتجت إلى ذلك. وإذا حاصرت خصمك أجبرته على قتالك. إما إذا أتحت له فرصة الانسحاب المشرف دون أن تجرح كرامته فسيترك لك ما تريد. فتحصل منه على ما تريد بأقل ثمن ممكن. أما إذا حوصر فإنه سيقاتل من أجل حفظ ماء وجهه، فأنت بين أن تخسر ماتريد، أو أن تحصل عليه بثمن فادح."

كان هذان الدرسان أو هذا الدرس من جزئين، من أهم ما علمني أبي في التعامل مع الناس ومع حوادث الأيام. ومن أوائل ما علمني في هذا الشأن.


٣/٢١/٢٠٠٧

رنة وتر


أنا رنة وتر من عود

ترجّع لك أمل مفقود

أن بكرة اللي كله ورود

وانا الماضي اللي مش ح يعود

أنا الدنيا وباعشقها

ودرب العشق مش مسدود

*******

أنا في الدنيا دي فرحة

وضحكة صافية من قلبك

بساتين الغنا الطارحة

وشمعة منورة في دربك

أنا الحلم اللي بتشيله وبيشليك

أنا الحزن اللي بتخبّيه في منديلك

...أنا ذكرى

....أنا فكرة

أنا إحساس مواويلك

*********

أنا طير في السما غرّيد

أنا عمري اللي عشته شريد

مكاني قلب كل وليد

أنا في قلب الرفاقة العيد

... أنا بكرة

أنا بكرة اللي تحلم به

ويحلم بك

وييجي أكيد