٨/١٨/٢٠٠٨

محاكمة رئيس عربي

محاكمة رئيس عربي



أصدر المدعي لدى المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو مذكرة تطالب بتوقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في دارفور. وذلك استناداً إلى "تقارير" أعدتها جهات لا يوثق في حيادها ولا نزاهتها. واعتماداً على كثير من الكلام المرسل الذي لا دليل عليه، ولا صحة لكثير منه.

وقد نظر البعض لهذه المحاكمة الدولية باعتبارها السبيل الأمثل أمام الشعوب العربية للتخلص طغيان حكامها واستبدادهم. وظهر الكثير من المؤيدين لهذا التوجه، بل والمطالبين بمحاكمة بقية الرؤساء العرب أمام هذه المحكمة. وظهر كذلك بعض المعارضين لهذا القرار وإن كان صوتهم خافتا.

ولدي بعض الملاحظات حول هذا القرار، بعيداً عن الدخول في تفاصيل ما حدث ويحدث في دارفور، ومدى مسؤولية الرئيس عمر البشير أو غيره عن ذلك.


صلاحية المحكمة وحيادها:

صلاحية المحكمة الجنائية الدولية تنحصر في الدول التي وقعت البرتوكول الخاص بها، ومعظم الدول العربية لم توقع هذا البرتوكول الخاص. ومصر والسودان لم توقعا هذا البروتوكول. فإذا كنا نناقش محكمة تتحدث باسم القانون، فيجب عليها ابتداء أن تلتزم هي بالقانون. والقانون الخاص بها لا يبيح لها محاكمة أي شخص في الدول التي لم توقع البرتوكول الخاص بالمحكمة. فهذه المحاكمة إذن غير قانونية وفقاً لقانون المحكمة نفسها.

أما حيادها فهو نفس حياد أي منظمة دولية تنفق عليها أمريكا، وتسيطر أو تؤثر على قرارات أعضائها.

الشرعية الدولية:

يتغنى الكثيرين بالشرعية الدولية. أليست هذه الشرعية الدولية هي التي تسمح لروسيا أن تحتل الشيشان وتجتاح جورجيا، وتقر "لإسرائيل" احتلال فلسطين وحصار أهلنا في غزة وإبادتهم، وهي التي عجزت عن منع أمريكا من احتلال العراق وأفغانستان. أليست هذه الشرعية هي التي اعتبرت العدوان الإسرائيلي على لبنان في 2006 دفاعاً عن النفس، والمقاومة الفلسطينية إرهاباً.

الشرعية الدولية كما يعرف أهل العلم هي شرعية القوة. القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية. وهي اليوم في يد عدونا. أمريكا أو "إسرائيل".فمن العبث التعلق بها في السعي لإقرار الحقوق التي نريدها لأنفسنا. فهم لا يريدون لنا الخير، ولا يريدون لنا الديموقراطية، إلا إذا أتت بمن يرضون ويحبون، وإلا لماذا حاربوا الحكومة المنتخبة في فلسطين؟ ولماذا سعت أمريكا لإسقاط الحكومة المنتخبة في فنزويلا؟

إن هذه المطالبة بالقبض على الرئيس السوداني لا تهدف إلى حماية أهل دارفور كما يزعمون، (ولن تؤدي إليها). وإنما تهدف إلى تركيع النظام السوداني الذي لا يزال يحاول الاحتفاظ ببعض الكرامة والاستقلال. وإلا فهو ليس أحق بالمحاكمة من كثيرين أولهم بوش نفسه الذي يدعم هذا الطلب.


حدود المعارضة:

إذا كنا نعارض أنظمة الحكم في بلادنا بدعوى أنها تفرط في مصالح الوطن، وأنها تخدم مصالح العدو، من أجل البقاء في كراسيها، فهل من العقل أن ندعم نحن مصالح العدو من أجل إزاحة هذه الأنظمة؟ إن القبول بمثل هذه الدعوى يجرد أي نظام عربي، مخلص أو متواطئ أو خائن، من الشرعية والاستقلالية في اتخاذ القرار. ونحن نعلم أن المتواطئ لا يتم ملاحقته مادام يخدم مصالحهم. ولا يتم ملاحقة غير الممانع لما يريد الغرب. فالإقرار بمثل هذه الدعوى، يمثل في الحقيقة تجريدا لأي سلطة وطنية من قدرتها على الدفاع عن مصالح شعبها أمام الهيمنة الأمريكية، أو كما يدعونها "الشرعية الدولية".

يثير البعض سؤالاً مهماً!

ماذا نفعل إذا لم يكن لدينا آلية لمحاكمة الرئيس في بلادنا؟

إذا لم يوجد لدينا قانون أو آلية، فلنسعى لإيجادها. إذا لم نتمكن من تغيير أنظمتنا بنفسنا فنحن لا نستحق خيراً منها. أما الاستعانة بالاحتلال – المباشر أو غير المباشر- سواء كان محكمة دولية أو دولة مانحة للمعونة من أجل تغيير النظام في بلادنا، فهي الخيانة المباشرة كما نعرفها. وهو الاستجارة من الرمضاء بالنار. فإذا كان استبداد الوطني شر، فلا يفوقه شراً إلى استبداد العدو.


هذه نقاط مبدئية، لا تتغير باختلاف الحالة، سواء في دارفور أو العراق أو مصر أو الصومال. فليس في ما ذكرت دفاعاً عن شخص الرئيس السوداني، وإنما عن منصبه الذي لابد أن يراعى. وإذا كان أهل السودان ساخطين عليه، فهم قادرون على إسقاطه كما أسقطوا من سبقوه.