١٢/٢٧/٢٠٠٧

حول الإعجاز العلمي في القرآن2

حول الإعجاز العلمي في القرآن2


ثم جاء بعد ذلك دعاة تخصصوا في هذا المجال. ولكنهم ربما لشدة حرصهم على إثبات دعواهم، أو تحت تأثير الجذب الإعلامي، تحول بعضهم إلى ما يشبه الساحر في السيرك، حريص على أن يقدم فقرة جديدة كل موسم. فلا بد له في كل موسم من اكتشاف جديد. ليكسب إعجاب الناس، به أو بالإسلام، أو ليقول للناس إن أدلة إعجاز القرآن لا تنفد ولا تنقضي. ونحن نؤمن أنها كذلك، ولكننا نقول إن في كل عصر سيكتشف أهله ما يكفيهم، بلا حاجة للتنطع أو ليّ أعناق النص، أو افتعال دليل. فالذي يحاول افتعال دليل، يتصرف وكأن ما في يده من الأدلة لا يكفي. والعاقل الذي يبحث عن الحق يكفيه دليل واحد. فمن لم يقبل الدليل كبرا أو عنادا أو اتباعاً لهواه فلن يكفيه شيء.

ولحرص هؤلاء على البحث عن دليل جديد كل يوم، بدؤوا ينقبون عن أي شيء يصلح للإبهار، وانتزاع إعجاب الناس، ولو كان بتأويل بعيد أو بحجة ضعيفة. فأساء من حيث أراد الإحسان، فإن سكوت مثل هؤلاء أنفع للإسلام من ادعائهم بحجة ضعيفة. فالادعاء بحجة ضعيفة هو أكبر خدمة لمن أراد مهاجمة الإسلام، والتفسير الخاطئ أكبر سند لمن أراد تشويه الإسلام. وسيظل القرآن خاليا من شبهة الخطأ العلمي، ولا يعيبه خطأ المفسرين، فالتفسير عمل بشري. ولكن هذا الخطأ البشري يقود كثيرا إلى بلبلة الناس، وتشكيك قليلي العلم، والذين في قلوبهم مرض.

والأمر في الأصل لا يحتاج إلى كل هذا الدفاع. فمن أراد الادعاء بخطأ في القرآن، فليأت بحجته، وليقدم برهانه. أليس هكذا علّمنا القرآن؟ قل هاتوا برهانكم. وكثير مما ثبت من إعجاز القرآن كان محاولات من الكافرين لإثبات خطأ في القرآن.

أما مسألة الإعجاز العلمي في السنة النبوية، فأنا أجد صعوبة كبيرة في تقبله. خاصة مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بشؤون دنياكم". فقد ترك شؤون الدنيا للناس يتعلمون منها ويتقدمون بها. أما أمر الله للناس بالنظر في خلق السموات والأرض، والنظر إلى كيف بدأ الخلق، هو أمر للناس بالبحث للتعلم والتفكر معا. من أجل عمارة الدنيا وإصلاحها بالعلم، والوصول إلى الإيمان بالله ومعرفته. فمن لم يصل إلى الله بالفكر وصل إليه بالعلم.

يبقى أمر في شأن الإعجاز العلمي، وهو ما أثبته القرآن ولم يعرفه العلم. مثل الحسد والسحر. ويدعي البعض أن هذه بقايا معتقدات الأمم القديمة، وأنها خرافات لا يقبلها العلم. ونحن نقول لا يعرفها العلم حتى الآن. فالعلم البشري لا يزال يحبو، لم يدرك من حقائق الكون إلا قليلا. وعلم الله واسع لا يحدُّه شيء. فجهل الإنسان بأمر لا يفيد نفيه. وإنما عليكم إثبات عدم وجود ما تنكرون. وكم أنكر العلم من أمور ثم عاد ليثبتها.

فلا يجب أن نجعل علوم القرآن وتفسيره تبعا لعلوم قاصرة، أو أهواء عابرة. ولا أن يكون عرض الإسلام تبعا لاحتياجات سوق الإعلام. فكلما كنا بحاجة لتقديم شيء جديد خرجنا بفكرة جديدة. فالإسلام مبني على العقل والإيمان الراسخ، وليس الإبهار. الهدف هو إقناع الناس وليس إبهارهم.

وهناك أمثلة لما تم عرضه كإعجاز علمي، وأحسب أنه تعسف في تفسير النص وتوظيفه في غير ما يشير إليه. ومن ذلك قولهم في تفسير قول الله تعالى على لسان يوسف بن يعقوب (عليهما السلام) "يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين". فخرج علينا من يقول إنه لا بد أن يكون هناك أحد عشر كوكبا تدور حول الشمس. ليطابق ذلك الرقم المذكور في الآية. مع أن هذا الرقم لا يفيد إلا عدد إخوة يوسف الذي سجدوا له بعد ذلك. ولو كان عدد الإخوة عشرين لرأى عليه السلام عشرين كوكبا. فليس من إعجاز في مطابقة عدد إخوة يوسف لعدد أجرام السماء. فهذا هو الخطأ في توظيف الآية.

أما الخطأ في تفسيرها، فقد كانت العرب تسمي كل لامع في السماء كوكبا أو نجما. فاللفظان عند العرب يحملان نفس المعنى. وإنما جاء التفريق بينهم حديثا، عندما خص علماء الفلك الأجسام المضيئة الحارة باسم النجم، والأجسام المعتمة التي تدور حول النجوم باسم الكوكب، ثم الأقمار والمذنبات وغير ذلك من أجرام السماء. فخصوا كلا منها باسم لا يتعداه إلى آخر. أما مارآه سيدنا يوسف في رؤياه، فهو أحد عشر جرما سماويا مما يبدو صغيرا في السماء. ليكون من جنس الشمس والقمر اللذان يبدوان كبيرين في السماء. والأجرام الصغيرة من صغار جنسها. ليكون تأويل ذلك أن الشمس والقمر هما أبواه، والكواكب إخوته.

وقد رد على هذا التفسير بعضهم، شامتا بإسقاط عضوية بولتو في مجموعة الكواكب بواسطة مجمع للعلماء، وهذا أيضا لا حجة فيه ولا دليل. فماذا لو قرر هذا المجمع غدا قبول عضوية عدد آخر من الأجرام. أو إعادة الاعتراف ببلوتو ككوكب مع إضافة غيره، ليصل الرقم إلى أحد عشر كوكبا تدور حول الشمس. فهل يؤمن هؤلاء الشامتين؟

لا أظن ذلك!!

وهذه التفسيرات القائمة على البحث عن المبهر واللافت ليست أمرا جديدا، وليست حكرا على المسلمين دون غيرهم. فهي أمر قديم موجود في كل دين وفي كل دعوة. ولعل أكثر ما وقع في كتب السابقين من التحريف جاء من هذا الباب، باب الإبهار والتعالم. بإظهار الكتاب يحتوي على أكثر مما فيه. فدخلت إليه الإضافات والزيادات، ووقع الحذف فيما ظنوه شبهة أو ضعفا.

أما القرآن الكريم فقد تكفل الله تعالى بحفظه من التحريف والتبديل، والإضافة والحذف. فلم يظهر هذا السعي للإبهار والتعالم إلا في بعض كتب التراث، والتي تزخر بأقوال القصاصين. حتى ذكر بعضهم اسم كلب أصحاب الكهف الذي لا نعلم عددهم أصلا حتى نعرف أسماءهم، فكيف باسم كلبهم؟ ومن المشهور قصة ذلك القصاص الذي ذكر اسم الذئب الذي أكل يوسف. فلما قيل له إن الذئب لم يأكل يوسف. قال:"نعم، هذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف".

وهؤلاء كان يعرفهم الناس قديما باسم القصاصين، أما اليوم فيحسبهم البعض علماء.

فإذا كانا ندعو الناس للإيمان بالله بعقولهم، ونطالبهم بالتفكير الصحيح في الحجج والدعاوى التي تلقى إليهم. فأحرى بنا أن نبدأ بأنفسنا، وأن ندرس الحجة قبل أن نقدمها للناس، ندرس ما ينقضها وما يردها. ونبحث في ما يمكن أن يهدمها. فإن انتقضت فما هي بحجة تقبل. وإن استقامت فوق محاولات الهدم، واستعلت على النقض والرد. فتلك هي الحجة البالغة والبينة الراسخة.

والله أعلم.

هناك ١٠ تعليقات:

إســمــاعـيـل بـــدر يقول...

أخى
هناك مشكلة حقيقية بالفعل فى هذا الموضوع وهو ما عبرت عنه بقولك لى عمق النص نرجو منك الاستمرار فى الكتابة عن هذا الموضوع وأشعر إننا سنخرج منه فى النهاية ببحث رائع
تحياتى

أفندينا يقول...

أخي العزيز حسن
والله أنا مقصر في حقك قوي
بس أعذرني يا حسن فالشغل لا يرحم كما أن مصر لا ترحم
داااااائما وإلى أن يحين الأجل لك مني كل الحب والمودة في الله

محمد مارو يقول...

كل عام و انت بالف صحه و سعاده
متنساش
تقول الساعه 12 بالظبط لا اله الا الله محمد رسول الله ع شان تكون افتتحت السنه الجديده بكلمه الحق و يا ريت لو نصلى ركعتين لله ع شان كمان نفتتح العام باحي الاعمال

اسامة يس يقول...

كلامك وموضوعك قيم... وفيه حرص على الا يكون التكلف هو الاساس ولي اعناق الآيات هو المبدأ...
(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ).. دون حاجه الى اصطناع ادلة...
والقرآن كتاب برهان بالفعل .. لا كتاب ابهار بالمعنى السيء للكلمة اي فرقعه وفقط...

قطعاً لا ينفي توافق القرآن مع الحقائق العلمية ولكن بشرط عدم التكلف والتلفيق...

دمتم بكل ود..
خالص تحياتي

حسن مدني يقول...

أخي اسماعيل،
أشكرك على حسن الظن،،، ما أملكه هو مفاتيح، أما البحث، فيتطلب علما وجهدا كبيرا،،
والله المستعان.

تحياتي

حسن مدني يقول...

فخامة أفندينا،
أعانك الله على مشاغلك،،
تسعدنا ويارتكم دائما، وتشريفكم مدونتنا المتواضعة..

تحياتي

حسن مدني يقول...

محمد مارو،
حصل، شكرا لك
تحياتي

حسن مدني يقول...

عزيزي أسامة،
لقد لخصت الموضوع كاملا في سطرين،

تحياتي

ابن رشد يقول...

بص يا استاذنا انا في الموضوع دة لية كلمة واحدة ان احنا ممكن نطوع العلم ليناسب ايات القران مش العكس

الشريف / جمال طة يقول...

تمنياتى لك بمزيد من التوفيق وطول العمر فى طاعة الله

http://gamal51.blogspot.com